غَدَتْ مِنْ عَلَيْهِ بَعْدَ ما تَمَّ ظِمْؤُها، ... تَصِلُّ وعَنْ قَيْضٍ بزِيزاء مَجْهَل
وَهُوَ بِمَعْنَى عِنْد؛ وَهَذَا الْبَيْتُ مَعْنَاهُ غَدَتْ مِنْ عِنْدِهِ. وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ:
فإِذا انْقَطَعَ مِنْ عَلَيها رَجع إِليه الإِيمانُ
أَي منْ فَوْقها، وَقِيلَ منْ عِنْدَهَا. وَقَالُوا: رَمَيْتُ عَلَى الْقَوْسِ ورَمَيْت عَنْهَا، وَلَا يُقَالُ رَمَيْتُ بِهَا؛ قَالَ:
أَرْمِي عَلَيْها وَهْيَ فَرْعٌ أَجْمَع
وَفِي الْحَدِيثِ:
مَنْ صامَ الدَّهْرَ ضُيِّقَتْ عَلَيْه جَهَنَّم
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: حَمَل بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى ظاهِره وَجَعَلَهُ عُقوبةً لِصَائِمِ الدَّهْرِ، كأَنه كَرِه صومَ الدَّهْرِ، وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ منعُه عبدَ اللَّهِ بنَ عَمْرو عَنْ صومِ الدهرِ وكَراهيتُه لَهُ، وَفِيهِ بُعدٌ لأَنَّ صومَ الدَّهر بالجُمْلة قُرْبة، وَقَدْ صَامَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، والتابِعين، رَحِمَهُمُ اللَّهُ، فَمَا يَسْتَحِقُّ فاعلُه تضييقَ جهَنَّم عَلَيْهِ؛ وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلى أَن عَلَى هُنَا بِمَعْنَى عَنْ أَي ضُيِّقت عَنْه فَلَا يدخُلُها، وَعَنْ وعَلَى يَتداخلان؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
أَبي سُفْيَانَ: لَوْلَا أَن يأْثُروا عَلَيَّ الكَذِبَ لكَذَبْتُ
أَي يَروُوا عنِّي. وَقَالُوا: ثَبَتَ عَلَيْه مالٌ أَي كَثُرَ، وَكَذَلِكَ يُقَالُ: عَلَيْه مالٌ، يُرِيدُونَ ذَلِكَ الْمَعْنَى، وَلَا يُقَالُ لَهُ مالٌ إِلا مِنَ الْعَيْنِ كَمَا لَا يُقَالُ عَلَيْه مالٌ إِلَّا مِنْ غَيْرِ العَين؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ عَلَى فِي الأَفعال الشَّاقَّةِ الْمُسْتَثْقَلَةِ، تَقُولُ: قَدْ سِرْنا عَشْراً وبَقِيَتْ عَلَيْنا لَيْلَتَانِ، وَقَدْ حَفِظْتُ الْقُرْآنَ وبَقِيَت عَلَيَّ مِنْهُ سُورَتَانِ، وَقَدْ صُمْنا عِشْرين مِنَ الشَّهْرِ وبَقِيَتْ عَلَيْنَا عَشْرٌ، كَذَلِكَ يُقَالُ فِي الِاعْتِدَادِ عَلَى الإِنسان بِذُنُوبِهِ وقُبح أَفعاله، وَإِنَّمَا اطَّرَدَتْ عَلَى فِي هَذِهِ الأَفعال مِنْ حَيْثُ كَانَتْ عَلَى فِي الأَصل للاسْتِعْلاءِ والتَّفَرُّع، فَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الأَحوال كُلَفاً، ومَشاقَّ تَخْفِضُ الإِنسانَ وتَضَعُه وتَعْلُوه وتَتَفَرَّعُه حَتَّى يَخْنَع لَهَا ويَخْضع لِمَا يَتَسَدَّاه مِنْهَا، كَانَ ذَلِكَ مِنْ مَوَاضِعِ عَلَى، أَلا تَرَاهُمْ يَقُولُونَ هَذَا لَكَ وَهَذَا عَلَيْك، فَتُسْتَعْمَلُ اللامَ فِيمَا تُؤْثِره وعَلَى فِيمَا تَكْرَهُهُ؟ وَقَالَتِ الْخَنْسَاءُ:
سأَحْمِلُ نَفْسي عَلى آلةٍ، ... فإِمّا عَلَيْها وإِمَّا لَها
وعَلَيْكَ: مِنْ أَسماء الْفِعْلِ المُغْرى بِهِ، تَقُولُ عَلَيْك زَيْدًا أَي خُذْه، وعَلَيكَ بِزَيْدٍ كَذَلِكَ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: لَمَّا كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ صَارَ بِمَنْزِلَةِ هَلُمَّ، وإِن كَانَ أَصله الِارْتِفَاعَ، وَفَسَّرَ ثَعْلَبٌ مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيْكَ بزيد فقال: لم يجيء بِالْفِعْلِ وَجَاءَ بِالصِّفَةِ فَصَارَتْ كَالْكِنَايَةِ عَنِ الْفِعْلِ، فكأَنك إِذا قُلْتَ عَلَيْك بِزَيْدٍ قُلْتَ افْعَلْ بِزَيْدٍ مِثْلَ مَا تُكَنِّي عَنْ ضَرَبْتُ فَتَقُولُ فعلتُ بِهِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
عَلَيْكُمْ بِكَذَا
أَي افْعَلُوه، وَهُوَ اسمٌ لِلْفِعْلِ بِمَعْنَى خُذْ، يُقَالُ: عَلَيْك زَيْدًا وعَلَيْك بزيدٍ أَي خُذْهُ. قَالَ ابْنُ جِنِّيٍّ: لَيْسَ زَيْدًا مِنْ قَوْلِكَ عَلَيْكَ زَيْدًا مَنْصُوبًا بخُذ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ عَليْك، إِنما هُوَ منصوبٌ بنفسِ عَليْك مِنْ حَيْثُ كَانَ اسْمًا لفعلٍ متعدٍّ. قَالَ الأَزهري: عَلى لَهَا معانٍ والقُرَّاء كُلُّهُمْ يُفَخِّمونها لأَنها حَرْفُ أَداة. قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ*
؛ جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ: مَعَ رَجُلٍ مِنْكُمْ، كَمَا تَقُولُ جَاءَنِي الخَيْرُ عَلَى وَجْهِكَ وَمَعَ وَجْهِكَ. وَفِي حَدِيثِ زَكَاةِ الفِطْر:
عَلَى كلِّ حُرٍّ وعبدٍ صاعٌ
، قَالَ: عَلَى بِمَعْنَى مَعَ لأَن الْعَبْدَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْفِطْرَةُ وإِنما تَجِبُ عَلَى سَيِّدِهِ. قَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: عَلَيك ودونكَ وَعِنْدَكَ إِذا جُعِلْنَ أَخباراً فَعَنِ الأَسماء، كَقَوْلِكَ: عَلَيْكَ ثوبٌ وعندَك مالٌ وَدُونَكَ مالٌ، ويُجْعَلْنَ إِغْراءً فتُجْرى مُجْرى الْفِعْلِ