فصل في الاستبراء
من اشترى جارية لا يحل له وطؤها إلا بعد الاستبراء، ولكن تسلم الجارية إليه؛ سواء كانت حسناء أو قبيحة.
وقال مالك: إن كانت قبيحة تسلم إليه، وإن كانت حسناء توضع على يد امرأة ثقة؛ حتى تمضي مدة الاستبراء؛ لأنه لا يؤمن من أن يطأها المشتري قبل الاستبراء؛ وهذا يشبه ضرب الأجل في الأعيان، والأعيان لا تقبل الآجال المعلومة المشروطة؛ فكيف تثبته هاهنا بلا شرط مع الهالة؛ لأن مدة الاستبراء مجهولة.
ولو اشترى عيناً غائبة؛ على أن يسلم في موضع كذا، أو بلد كذا - يجوز؛ كما في السلم، وإن كانت حاضرة لم يجز أن يعين مكاناً للتسليم؛ لأن العين لا تقبل الأجل، وتأخير تسليمه في مكان آخر نوع أجل.
ولو اشترى جارية مطلقاً، لم يكن له مطالبة البائع بكفيل بالعهدة؛ لأنه ضيع حقه بترك الشرط؛ سواء أراد البائع سفراً، أو لم يرد.
وقال مالك: إن أراد البائع سفراً، له مطالبته بالكفيل، وبالإنفاق.
ولو اشترى داراً، له مطالبة البائع بالكفيل من غير شرط.
ولو اشترى جارية؛ فأتت بولد، فالولد ملك للمشتري، وإن أتت به في الحال؛ فلو ادعى البائع أني كنت وطئتها قبل البيع، وهذا الولد مني - نظر: إن صدقه المشتري، أو قامت بينة أنه أقر قبل البيع بوطئها، وباعها قبل الاستبراء - فالبيع باطل، والجارية أم ولد للبائع.
وإن كذبه المشتري؛ ولا بينة للبائع، فالقول قول المشتري مع يمينه؛ يحلف بالله: لا يعلم أن الولد منه؛ سواء أتت به لأقل من ستة اشهر من وقت الشراء، أو لكثر؛ فإذا حلف، "فهما رقيقان له".
وهل يثبت نسب الولد من البائع؟ فيه قولان؛ ما لو أقر بنسب عبد الغير. الأصح: يثبت؛ لأنه لا ضرر على المشتري منه.
وقال أبو حنيفة: إن أتيت به لأقل من ستة أشهر من وقت البيع، فالقول قول البائع، ويُرد البيع. ووافقنا فيما لو ادعى البائع؛ أني كنت أعتقتها، أو استولدتها قبل البيع، أنه لا يقبل.
ولو أقر بوطئها عند البيع، فإن كان قد استبرأها، ثم باعها، فإن أتت به لدون ستة أشهر من وقت الاستبراء - فالبيع باطل، والجارية أم ولده.