ويكره الاغتسال في الماء الدائم، فلو اغتسل فيه؛ نظر: إن كان الماء قدر قلتين يدفع الجنابة عنه، ولا يصير الماء مستعملاً، وإن اغتسل فيه جماعة. فإن كان الماء أقل من قلتين؛ نظر: إن انغمس فيه ثم نوى، خرج عن الجنابة، وإذا خرج يصير الماء مستعملاً، وإن نوى ثم انغمس فيه. فقد صار الماء مستعملاً. وهل يخرج عن الجنابة؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يخرج؛ لأن الماء صار مستعملاً؛ بملاقاة أول جزء من بدنه.
والثاني- وهو الأصح-: أنه يخرج من الجنابة؛ لأن الماء ما دام يتردد على العضو، لا يحكم باستعماله ما لم ينفصل.
ومن قال: بالأول، قال: ذاك إذا ورد الماء على المحل. وأما إذا أورد المحل على الماء القليل، فلا.
كما في غسل النجاسات. ولو قعد فيه إلى سرته ثم نوى ثم مقل فيه- ترتفع الجنابة عما دون سرته. وفيما فوقها وجهان:
الأصح: ترتفع. ولو انغمسا في ماء قليل، ثم نويا معاً، خرجا عن الجنابة. ولو انغمس فيه أحدهما، ونوى، ثم انغمس فيه الثاني قبل خروج الأول- ترتفع الجنابة عن الأول.
وفي الثاني وجهان:
أحدهما: ترتفع؛ لأن الماء لم ينفصل (عن) الأول، فلا يحكم باستعماله.
والثاني- وهو الأصح-: لا ترتفع؛ لأن ما يتصل بالثاني في حكم المنفصل عن الأول.
قال الشيخ إمام الأئمة (رحمة الله عليه): فإن قلنا بالوجه الأول؛ فلو خرج أحدهما قبل الثاني، فلا يحكم بالاستعمال في حق الثاني، وكذلك لو شرعا معاً ثم خرج أحدهما- لا يحكم بالاستعمال في حق الثاني ما لم يخرجا.