وعن البرغوث والقمل فيشق عليه الاحتراز فعفا عنه الشرع حتى لا يضيق الأمر على النَّاس، فإن كثر ذلك وعرق في ذلك الثوب حتى انتشر، هل يكون عفواً؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يعفى؛ لأن الكثير لا يشق الاحتراز عنه.
والثاني: يعفى؛ لأن هذا الجنس يتعذر الاحتراز عنه، فوقع عفواً، وإن أصابه دمٌ من غيره، فلا يعفى عن كثيره، وهل يعفى عن قليله؟ فيه قولان:
أحدهما: قاله في "الإملاء" لا يعفى، لأنه لا يشق الاحتراز عنه.
وقال في "الأم" وهو الأصح: يعفى؛ لأن مما يتعافاه الناس في العادة.
والمرجع القليل والكثير إلى العادة.
وقال في القديم: ما دون الكف عفو، ولا يعفى عن الكف.
وقال في موضع: يعفى عن قدر دينار من الدم، وحكم ونيم الذُّباب وبول الخُفَّاش حكم الدم لتعذر الاحتراز عنه.
أما سائرا لنجاسات مثل: البول والعذرة والخمر، فلا يعفى عن شيء منها، وإن قل إذا أدركه الطرف إلا محل الاستنجاء، فإنه عفو بعد المسح بالحجر، وإن كان لا يدركه الطرف، نظر إن أصاب بدنه، فلا يعفى عنه؛ لأنه يشعر به إذا أصابه، وإن أصاب ثوبه ففيه قولان:
أصحهما: لا يعفى؛ لأنه نجاسة لا يشق الاحتراز عنها كالذي يدركه الطرف.
والثاني: يعفى؛ لأنه قد يصيب ثوبه ولا يشعر به فكان عفواً.
ولو حمل في الصلاة مستنجياً بالحجر، أو رجلاً على ثوبه نجاسة معفوة هل تصح صلاته؟ فيه وجهان:
أحدهما: تصح؛ لأنه نجاسة معفوة.
والثاني: لا تصح؛ لأنه عفو في حق من عليه لتعذُّر الاحتراز عنه، فلا يكون عفواً في حق غيره. وقال أبو حنيفة: النجاسات قسمان: مغلَّظة ومخففة، فالمغلَّظة مثل العذرة، والخمر، وبول ما لا يؤكل لحمه، فقدر الدِّرهم البغلي منها يكون معفواً، والمخففة بول ما