قال الغزالي: السَّادِسُ رَكْعَتَانِ عَقِيبَ الطَّوَافِ مَشْرُوعَتَانِ وَلَيْسَتَا مِنَ الأَرْكَانِ وَفِي وُجُويهما قَوْلاَنِ، وَلَيْسَ لِتَرْكِهِمَا جُبْرَانٌ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَفُوتُ إِذْ المُوَالاةُ لَيْسَ بِشَرْطِ فِي إجْزَاءِ الطَّوَافِ علَى الصَّحِيحِ.
قال الرافعي: إِذَا فَرَغَ مِنَ الطَّوَافَاتِ السَّبْعِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ: "رُوِيَ عَنِ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ" (1) وهما واجبتان أو مسنونتان؟ فيه قولان:
أحدهما: واجبتان، وبه قال أبو حنيفة -رحمه الله-؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما صَلاَّهُمَا تلا قوله تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} (2). فأفهم أن الآية أمْرٌ بهذه الصَّلاَة والأمر للوجوب.
وأصحهما: مسنونتان، وبه قال مالك وأحمد -رحمهما الله-؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث الأعرابي: "لاَ إِلاَّ أَنْ تَطَوَّعَ" (3).
واحتج الشَّيْخُ أَبُو عَلِيّ لهذا القول بشيئين:
أحدهما: أنها لو وجبت لَلَزِم شَيْءٌ لِتَرْكِهَا كَالرَّمْيِ، وَلاَ يَلْزَمُ.
والثاني: أنها لو وجبت لاختص فعلها بمكَّة، ولا يختص، بل يجوز في بلده، وأي موضع شَاءَ، ولك أن تقول:
أما الأول: فيشكل بالأركان، فإنها وَاجِبَةٌ وَلاَ تُجْبَرُ بِشَيْءٍ، وقد تعد هذه الصَّلاة منها على ما سيأتي، ثم الجبر بالدَّمِ إنما يكون عند فوات المجبور، وهذه الصَّلاةَ لا تفوت إلا بأن يموت، وحينئذ لا يمتنع جَبْرُهَا بالدَّمِ، قاله الإمام وغيره.
وأما الثاني: فلم لا يجوز أن تكون واجبات الحَجِّ وأعماله منقسمة إلى ما يختص بِمَكَّة وإلى مَا لاَ يَخْتَص؟ ألا ترى أن الإحْرَام أحد الواجبات، ولا اختصاص له بمكّة. والمستحب أن يقرأ في الأولى بعد الفاتحة: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، وفي الثانية: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} كَذَلِكَ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- (4).
وأن يُصَلِّيهمَا خلف المقام (5)، فإن لم يفعل فَفِي الحِجْرِ، فإن لم يفعل ففي