يشتري في كلِّ مرحلة (1) قدْر الحاجة، والمذْهَب الأوَّل، فإن فَنِيَ بعضُه، فقَوْلان، وُيقَالُ: وجهان:
أصحُّهما، وبه قال أبو حَنِيفَة رضي الله عنه واختاره المُزَنِيُّ: أنَّهُ يبدله كسائر المحْمُولات، إذا باعها أو تَلِفَتْ.
والثاني: المَنْعُ؛ لأنَّ العادة فِي الطَّعام أنَّه لا يبدل كلَّ قدر يؤكل (2)، وإنما يبدل عنْد نفاذه، وموضِعُ القولَيْن على ما ذكره أبُو إسحاق إذا كان يجد الطَّعامِ في المنازل المستقبلية بسِعْر المنزل الذي هو فيه، أمَّا إذا لم يجدْه أو وجَده بسِعْرٍ أرفعَ، فله الإبدالُ لا محالة وهذا ما أجاب به الإِمامَ والشيخ أبو إسحاق في "التنبيه" وإذا فرَّعنا على أنَّه لا حاجة إلى تقدير الزاد، وحمل ما يعتاد لمثله، لم يبدله حتى يفْنى الكل.
وفيه وجْهٌ ضعيفٌ. ولا يخفَى مما ذكرناه أنَّهُ يَجوزُ إعلام قَوله: "فيَجِبَ على مكري الدَّابَّة تسليمُ الإكاف" بالواو، وكذا إعلامَ قوله: "يجب تقدير الطعام المحمول".
قَالَ الغَزَالِيُّ: وَيَجِبُ عَلَى المُكْرِي إِعَانَةُ الرَّاكِبِ لِلنُّزُولِ وَالرُّكُوبِ في المُهِمَّاتِ المُتَكَرِّرَةِ، وَكَذَا الإِعَانَةُ عَلَى رَفْعِ الحَمْلِ وَحَطِّهِ، وَكَذَا في المَحْمِل إِلاَّ إِذَا وَرَدَتِ الإِجَارَةُ عَلَى عَيْنِ الدَّابَّةِ وَسُلِّمَ إِلى يَدِ المُكْتَرِي.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: إذا اكترَى للركوب في الذِّمة، وجب على المكْرِي الخروجُ مع الدَّابَّة؛ ليسوقَها ويتعهَّدَها، وإعانة الراكب في الركوب، والنزول وبراعى العادةَ في كيفيَّة الإعانة، فينيخ البعير للمَرْأَة؛ لأنَّه يصْعُب عليها الركوب والنزول في حال قيام البعير، ويخاف عليها التكشُّف، وكذلك لوْ كان الرَّجُلُ ضعيفاً بمرضٍ، أو شيخوخةٍ، أو كان مفْرط السِّمَن، أو نصف الخلق، ينيخ له البعير، ويقرب البغل والحمار من نشز (3)، ليسهل الركوب (4) والاعتبارُ في القوَّة والضَّعْف بحال الرُّكُوب لا بحال العقْد، فإن اكترى للحمل في الذِّمَّة، فعَلَى المكْري رفع الحمل وحَطُّه، وشدُّ المَحْمِل، وحلُّه، وفي شدِّ أحد المَحْمِلَيْن إلى الآخر، وهما بَعْدُ على الأرض، ما سبق من الوجهَيْن.
ويقف الدابة؛ لينزل الراكب لما لا يتهيأ عليها؛ كقضاء الحاجةِ والوُضُوءِ وصلاة الفَرْض، وإذا نزل، انتظره المكْرِي؛ ليفرغ منها, ولا يلْزَمُه المبالغةُ في التخْفِيف، ولا