وَتَارَةً تُضَافُ بِالْكِنَايَةِ إلَيْهِ فَيُقَالُ: ذَاتُ الْبَيْنِ. قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} الأنفال: 1.
قَالَ الشَّاعِرُ:
وَأَهْلُ خِبَاءٍ صَالِحٌ ذَاتُ بَيْنِهِمْ
كَمَا تَقَدَّمَ.
وَيُقَالُ: الْأَمْرُ الَّذِي بَيْنَكُمْ، وَمَا بَيْنَكُمْ مُبْهَمٌ، مَعْنَاهُ الْأَمْرُ الَّذِي فَرَّقَكُمْ. فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَمَعْنَى قَوْلِهِ: {شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} المائدة: 106، أَيْ شَهَادَةُ اخْتِلَافِكُمْ وَتَنَازُعِكُمْ؛ فَتَكُونُ الشَّهَادَةُ مُضَافَةً إلَى الْمَصْدَرِ، لَا إلَى الظَّرْفِ وَلَا عَلَى تَقْدِيرٍ مَحْذُوفٍ. وَهَذِهِ غَايَةُ الْبَيَانِ، وَلَوْ هُدِيَ لَهُ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَى الْآيَةِ وَمَا تَخَبَّطَ فِيهَا وَلَا خَلَطَ مَعَانِيهَا.
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: قَوْله تَعَالَى: {إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} المائدة: 106:
وَلَفْظُ {حَضَرَ} المائدة: 106 يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْوُجُودِ مُشَاهَدَةً، وَضِدُّهُ غَابَ، وَهُوَ أَيْضًا عِبَارَةٌ عَنْ الْوُجُودِ الَّذِي لَمْ يُشَاهَدْ، وَقَدْ يُعَبَّرُ بِقَوْلِك: " غَابَ " عَنْ الْمَعْدُومِ. وَالْبَارِي سُبْحَانَهُ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ؛ أَيْ عَالِمُ الْمَوْجُودِ وَالْمَعْدُومِ؟ لِأَنَّهُ مِثْلُ الْوُجُودِ فِي عَدَمِ الْمُشَاهَدَةِ.
وَقَدْ وَرَدَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ عِبَارَةً عَنْ الْمَوْتِ فِي كِتَابِ اللَّهِ حَقِيقَةً، وَهُوَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ} النساء: 18. وَفِي قَوْلِهِ: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ} المؤمنون: 99 فَهُوَ فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ حَقِيقَةُ الْوُجُودِ مُشَاهَدَةً.
وَأَمَّا وُرُودُهَا مَجَازًا فَبِأَنْ يُعَبَّرَ عَنْ حُضُورِ سَبَبِهِ بِحُضُورِهِ، وَهُوَ الْمَرَضُ، فَيُعَبَّرَ عَنْ الْمُسَبَّبِ بِالسَّبَبِ، وَهُوَ أَحَدُ قِسْمَيْ الْمَجَازِ، كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ.
مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْله تَعَالَى حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِالْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: قَوْله تَعَالَى: {حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ} المائدة: 106 وَمَعْنَى {حِينَ} المائدة: 106 وَقْتَ؛ وَتَقْدِيرُ الْآيَةِ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إذَا أَرَدْتُمْ الْوَصِيَّةَ وَقَدْ مَرِضْتُمْ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَكُونُ فِي ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ