وقال إسماعيل (١): سمعت أحمد بن المعذل (٢) ينشد شعر الرجل من القدماء يصف ناقة (٣) فقال:

صفراء من تَلْدِ (٤) بني العباس

ضربها كالضبي في الكِنَاس (٥)

فالنفس بين طمع واياس (٦)

فجعل الشاعر اليأس بإزاء الطمع.

فرجعنا إلى قوله ـ عز وجل ـ: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ} (٧) فذكر اليأس مع الريبة، ثم جاء عن عمر بن الخطاب ـ رحمه الله ـ لفظ موافق للقرآن، وحكم موافق، قال: أيما امرأة طلقت فحاضت حيضة أو حيضتين، ثم رفعتها حيضتها لا تدري لم رفعتها، فإنها تنتظر تسعة أشهر، ثم تعتد بثلاثة أشهر (٨)، فلما كانت لا تدري ما رفعتها كان موضع الارتياب، فحكم فيها بهذا الحكم.

وكان اتباع ذلك ألزم وأولى، من قول من يقول: أن من هذه صفتها تعتد ثلاثين سنة (٩)، وإن جاءت بولد لم يلحقه إذا ولدته لأكثر من سنتين (١٠)،

(١) هو: ابن إسحاق القاضي، تقدم.
(٢) هو: أحمد بن المعذل بن غيلان بن حكم العبدي، أبو عبد الله البصري، شيخ المالكية بالعراق، كان فقيها عابدا. ينظر: الديباج المذهب ص ٣٠، وسير أعلام النبلاء (١١/ ٥١٩).
(٣) لم أعرف قائله.
(٤) قال في اللسان مادة: تلد: " التالد المال القديم الأصلي، الذي ولد عندك، وهو نقيض الطارف ".
(٥) قال في اللسان مادة: كنس: "المَكْنِس مَوْلِج الوحش من الظباء والبقر، تستكن فيه من الحر، وهو الكِنَاسُ، والجمع أَكْنِسَة وكُنُس، وهو من ذلك؛ لأنها تَكْنُس الرمل حتى تصل إلى الثرى الكناس ".
(٦) كذا في الأصل، ولا يستقيم وزنه، وصوابه: وياس، بتسهيل الهمز.
(٧) سورة الطلاق (٤).
(٨) تقدم تخريجه في أول كلامه المؤلف ـ رحمه الله ـ عن هذه الآية.
(٩) هذا من باب إلزام المخالف بما يلزم على قوله؛ لأن الأحناف والشافعية يقولون بأنها تنتظر حتى تبلغ سن اليأس وإن طالت المدة. ينظر: اختلاف العلماء للمروزي (١/ ١٧٠) وأحكام القرآن للجصاص (٥/ ٣٥٢)
(١٠) ذهب الأحناف إلى أن أكثر الحمل لا يزيد عن سنتين. ينظر: المبسوط (٦/ ٤٥) والهداية شرح البداية (٢/ ٣٤).