وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَذْكُرُ اللَّهَ فِي كُلِّ أَحْيَانِهِ، حَتَّى قَالَ جَمَاعَةٌ: إنَّهُ يَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ مَعَ النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ، حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَ الذِّكْرِ وَالنِّيَّةِ، وَمِنْ أَشَدِّهِ فِي النَّدْبِ ذِكْرُ اللَّهِ فِي ابْتِدَاءِ الشَّرَابِ وَالطَّعَامِ، وَمِنْ الْوُجُوبِ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ عِنْدَ الذَّبْحِ، كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ تَعْدِيدِ مَوَاضِعِهِ.
مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْله تَعَالَى مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَالْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَالَ: {مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ} هود: 40
قَالَ عُلَمَاؤُنَا: لَمَّا اسْتَنْقَذَ اللَّهُ مَنْ فِي الْأَصْلَابِ وَالْأَرْحَامِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَوْحَى اللَّهُ إلَى نُوحٍ {أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ - وَاصْنَعِ الْفُلْكَ} هود: 36 - 37. قَالَ: يَا رَبُّ، مَا أَنَا بِنَجَّارٍ قَالَ: بَلَى، فَإِنَّ ذَلِكَ بِعَيْنِي؛ فَأَخَذَ الْقَدُومَ، فَجَعَلَتْ يَدُهُ لَا تُخْطِئُ، فَجَعَلُوا يَمُرُّونَ بِهِ فَيَقُولُونَ: هَذَا النَّبِيُّ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ قَدْ صَارَ نَجَّارًا، فَعَمِلَهَا فِي أَرْبَعِينَ سَنَةً، ثُمَّ أَوْحَى اللَّهُ إلَيْهِ أَنْ {احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} هود: 40، فَحَمَلَ فِيهَا، فَأَرْسَلَ اللَّهُ الْمَاءَ مِنْ السَّمَاءِ، وَفَتَحَ الْأَرْضَ، وَلَجَأَ ابْنُ نُوحٍ إلَى جَبَلٍ، فَعَلَا الْمَاءُ عَلَى الْجَبَلِ سَبْعَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ} هود: 42 يَعْنِي عَنْهُ إلَى قَوْلِهِ: {مِنَ الْجَاهِلِينَ} هود: 46.
قَالَ عُلَمَاؤُنَا: إنَّمَا سَأَلَ نُوحٌ رَبَّهُ لِأَجْلِ قَوْلِ اللَّهِ: {احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ} هود: 40 إلَى: {وَأَهْلَكَ} هود: 40 وَتَرَكَ نُوحٌ قَوْلَهُ: إلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ رَآهُ اسْتِثْنَاءً عَائِدًا إلَى قَوْلِهِ: مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ، وَحَمَلَهُ الرَّجَاءُ عَلَى ذَلِكَ، فَأَعْلَمَهُ اللَّهُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ عَائِدٌ إلَى الْكُلِّ، وَأَنَّهُ قَدْ سَبَقَ الْقَوْلُ عَلَى بَعْضِ أَهْلِهِ، كَمَا سَبَقَ عَلَى بَعْضٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ، وَأَنَّ الَّذِي سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْ أَهْلِهِ هُوَ ابْنُهُ تَسْلِيَةً لِلْخَلْقِ فِي فَسَادِ أَبْنَائِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا صَالِحِينَ، وَنَشَأَتْ عَلَيْهِ مَسْأَلَةٌ، وَهِيَ أَنَّ الِابْنَ مِنْ الْأَهْلِ اسْمًا وَلُغَةً، وَمِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْآيَةِ السَّادِسَةِ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ.