بِعْتُك هَذَا الْفَدَّانَ مِنْ هَاهُنَا إلَى هَاهُنَا، فَيَدْخُلُ الْحَدُّ فِيهِ. وَلَوْ قُلْت: مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إلَى هَذِهِ الشَّجَرَةِ مَا دَخَلَ الْحَدُّ فِي الْفَدَّانِ.
الثَّالِثُ: أَنَّ الْمَرَافِقَ حَدُّ السَّاقِطِ لَا حَدُّ الْمَفْرُوضِ؛ قَالَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ. وَمَا رَأَيْته لِغَيْرِهِ. وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ قَوْلَهُ: {وَأَيْدِيَكُمْ} المائدة: 6 يَقْتَضِي بِمُطْلَقِهِ مِنْ الظُّفْرِ إلَى الْمَنْكِبِ، فَلَمَّا قَالَ: {إِلَى الْمَرَافِقِ} المائدة: 6 أَسْقَطَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبِ وَالْمِرْفَقِ، وَبَقِيَتْ الْمَرَافِقُ مَغْسُولَةً إلَى الظُّفْرِ؛ وَهَذَا كَلَامٌ صَحِيحٌ يَجْرِي عَلَى الْأُصُولِ لُغَةً وَمَعْنًى.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ {إِلَى} المائدة: 6 بِمَعْنَى مَعَ فَلَا سَبِيلَ إلَى وَضْعِ حَرْفٍ مَوْضِعَ حَرْفٍ، إنَّمَا يَكُونُ كُلُّ حَرْفٍ بِمَعْنَاهُ، وَتَتَصَرَّفُ مَعَانِي الْأَفْعَالِ، وَيَكُونُ مَعْنَى التَّأْوِيلِ فِيهَا لَا فِي الْحُرُوفِ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: {إِلَى الْمَرَافِقِ} المائدة: 6 عَلَى التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ: فَاغْسِلُوا أَيْدِيَكُمْ مُضَافَةً إلَى الْمَرَافِقِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} النساء: 2 مَعْنَاهُ مُضَافَةً إلَى أَمْوَالِكُمْ. وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا تَوَضَّأَ أَدَارَ الْمَاءَ عَلَى مِرْفَقَيْهِ».
مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْله تَعَالَى وَامْسَحُواالْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ: قَوْله تَعَالَى: {وَامْسَحُوا} المائدة: 6: الْمَسْحُ: عِبَارَةٌ عَنْ إمْرَارِ الْيَدِ عَلَى الْمَمْسُوحِ خَاصَّةً، وَهُوَ فِي الْوُضُوءِ عِبَارَةٌ عَنْ إيصَالِ الْمَاءِ إلَى الْآلَةِ الْمَمْسُوحِ بِهَا، وَالْغَسْلُ عِبَارَةٌ عَنْ إيصَالِ الْمَاءِ إلَى الْمَغْسُولِ؛ وَهَذَا مَعْلُومٌ مِنْ ضَرُورَةِ اللُّغَةِ، وَبَيَانُهُ يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ.
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ: قَوْله تَعَالَى: {بِرُءُوسِكُمْ} المائدة: 6: وَالرَّأْسُ عِبَارَةٌ عَنْ الْجُمْلَةِ الَّتِي يَعْلَمُهَا النَّاسُ ضَرُورَةً، وَمِنْهَا الْوَجْهُ، فَلَمَّا ذَكَرَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي الْوُضُوءِ وَعَيَّنَ الْوَجْهَ لِلْغَسْلِ بَقِيَ بَاقِيهِ لِلْمَسْحِ. وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ الْغَسْلَ أَوَّلًا فِيهِ