. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .= له حق الرد كمن اشترى قفة ثمار فوجد في أسفلها حشيشاً مثلاً حيث يكون له حق الرد للتغرير. وقد أجاب الحنفية عن هذا الاعتراض بجوابين: أولهما: بأن المشتري في المصراة مغتر لا مغرور؛ لأنَّ كبر الضرع قد يكون لغزارة اللبن؛ وقد يكون لغزارة اللحم فتكتمه على أمر كان يمكنه أن يعلم من البائع اغترار منه بكثرة اللبن. وهذا بخلاف قفه الثمار لا معنى لها إلا على أن كل ما فيها ثمر، فالمشتري فيها مغرور لا مغتر، ومضلل عليه لا ضال. وثانيهما: بالفرق على فرض أن المشتري هنا أيضاً مغرور بأن التغرير في قفة الثمار ينقص المقدار وهو عيب، وهذا بخلاف التصرية. وحجة الجمهور هي المنقول والمعقول. أما المنقول: فما روي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لاَ تَصِرُّوا الإبِلَ وَالغَنَمَ فَمَنِ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِبَهَا إن رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَصَاعَاً مِنْ تَمْرٍ". وهو حديث متفق عليه. وللبخاري وأبي داود: "مَنِ اشْتَرَى غنَماً مِصْرَاةً فَاحْتَلَبَها فَإِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ سَخِطَهَا فَفِي حِلْبَتِهَا صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ" ولمسلم: " إِذَا مَا اشْتَرَى أَحَدُكُمْ لُقْحَةً مُصْرَاةً أَوْ شَاةً مُصْرَاةً فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَينِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِبَهَا إِمَّا هِيَ، وإلاَّ فَلْيَرُدَّهَا وَصَاعاً مِنْ تَمْرٍ". وللجماعة إلا البخاري: "مَنِ اشْتَرَى مُصْرَاةً فَهُوَ مِنْهَا بِالخِيَارِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَمَعَها صَاعاً مِنْ تَمْرٍ لاَ سَمْرَاءَ". هذه الروايات كما ترى كلها صحيحة، متفق على صحتها، وكلها عن أبي هريرة -رضي الله عنه- وهي صريحة، ونص في ثبوت الخيار للمشتري إذا ما اشترى مصراة، فاحتلبها فإنه بخير النظرين، إما أن يمسك بالثمن المتفق عليه، وإما أن يرد لا تحتمل غير هذا ألبتة، ومن حملها غيره فقد تكلف مركباً صعباً. وقد روي هذا الحديث بطرق غير هذه، بعضها جيد وبعضها ضعيف، وفي بعضها زيادة، وفي بعضها نقص، وفي بعضها تغيير، وتبديل. ففي بعضها صاع من تمر، وفي بعضها صاع فقط، وفي بعض آخر مثل أو مثلي لبنها قمحاً. وهذه الروايات بعضها عن ابن عمر، وبعضها عن أنس، وبعضها عن ابن مسعود -رضي الله عنهم- وإن كان الصحيح عن ابن مسعود موقوفاً عليه، وبعضها عن رجل من الصحابة، وهي بسند جيد. وكلها قوية، وجيدة، وضعيفة متظاهرة متضافرة في ثبوت الخيار للمشتري، إذا ما اشترى مصراة فاحتلبها، فظهر له أمرها، وافتضح له عوارها. وأما المعقول: فأثبتوا الرد بالتصرية قياساً على ما لو سود شعر الجارية الشمطاء، فباعها، فانكشف للمشتري حالها حيث يكون له حق الرد للتضليل عليه. وعلى ما لو حبس البائع ماء الرحى، ثم أرسله عند بيعها تغريراً بالمشتري بجريان مائها على الدوام، حيث يكون له الرد أيضاً، وذلك لوجود التدليس والتغرير في التصرية أيضاً. إلا أن -والحق يقال هذه قياسات مذهبية- لا تلزم الحنفية لأنهم ينازعون فيها أيضاً. هذا فضلاً عن أن الحكم في هذه المسائل المقيس عليها إنما أخذ من حكم المصراة قياساً عليها، فقياس المصراة عليها حينئذ دور وقلب للموضوع. وقد دفع الحنفية في صدر هذه الأدلة من المنقول فما شفوا غليلاً، وأجلبوا عليها بخيلهم ورجلهم فما أغنوا فتيلاً، وتألبوا عليها إلباً واحداً فما زعزعوا منها ثابتاً، وما قرعوا لها صفاة، ثم ارتدوا عنها وهي هي قوة وثباتاً ووضوح دلالة وسطوع برهان وحجة. وملخص =