وإن بناه مستويًا، ثم مال إلى الشارع، وسقط، فإن لم يتمكَّن من الهدم والإصلاحِ، فلا ضمانَ، وإن تمكن فلم يفعلْ، فوجهان:
أظهرهما، عند الشيخ أبي حامد، وصاحب "التهذيب" وأكثرهم: أن الجواب كذلك، وبه قال المزنيُّ والإصطخريُّ؛ لأنه بني في ملكه، والمَيْلُ لم يحصُلْ بفعله، فأشبه ما إذا سَقَط بلا مَيْل.
والثاني، وبه قال أبو إسحاق، وابن أبي هريرة، ورجَّحه القاضي الرُّويَانيُّ: أنه يضمن؛ لتقصيره بِتَرْكِ النقْضِ (1) والإصلاح، ويحكَى هذا عن أصحاب مالك، ويجري الوجهانِ فيما لو سَقَط إلى الطريقِ، فلم يرفعه، حتى تعثَّر به إنسان أو هَلَك مال، ولا فَرْق بين أن ينازعه الوليُّ أو غيره، ويطالب بالنقْض، وبين ألا يُوجَدَ ذلك، وقال أبو حنيفةَ: إن نُوزعَ وأُشْهِدَ عليه، فلم يَنْقُضْ ضمن، وإنْ لم يُشْهَدْ عليه، لم يضمن، وإذا وجب الضمانُ في البناء المائل إلى الشارع ابتداءً أو دوامًا، فلو مال بعضه دون بعض، نُظِرَ، أحَصَلَ التلف برأسه المائل، أو بما بَقِيَ على الاستواء، أو بالكلِّ، ويكون الحكمُ على ما ذكرنا في الميزاب، والجناح (2) وإذا باع ناصبُ الميزاب أو بانِي الجدارِ المائِل الدارَ (3)، لم يبرأ من الضمان؛ حتى إذا سقط على إنسان، فهلكَ -يكون الضمان على عاقلة البائعِ؛ قاله في "التهذيب" (4).
ولو أراد الجار أن يبني جدارَهُ الخالصَ، أو المشتركَ مائلًا إلى مِلْكِ الجار، فله المنع منه، وإن مال، فله المطالبة بالنقْض، كما أنه إذا انتشرت أغصانُ شجرته إلى هواءِ مِلْكِ الغير -فَلَهُ أن يطالب بإزالَتِها، ولو تولَّد منه هلاكٌ، فالضمان على ما ذكرنا فيما إذا مالَ إلى الشَّارع (5) وعن أبي حنيفةَ؛ أنه إن نازعه الجارُ، وأشهد، تعلَّق به الضمان، وإلاَّ فلا.
ولو استهدم الجدارُ، ولم يَمِلْ فعن الإصطخريِّ؛ أنه قال في "أدب القضاء": لا يطالَبُ بنقضه؛ لأنه لم يجاوزْ ملكه، وفي "التتمة" وجه آخر؛ أن للجار وللمارَّة في الشارع المطالبةَ به؛ لما يُخَاف منه من الضرر؛ كما أنه لا يفعل في ملكه ما يتضرَّر به الجارُ على ما مرَّ، وهذا ما أورده ابن الصبَّاغ احتمالاً، فعلى الأول لا ضمانَ فيما يتولَّد