ورأيت في تَعْلِيقِ الشيخ أبي حَامِدٍ وغيره أن أَبا بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قاله لِسَارِقٍ أَقَرَّ عنده، وإذا ثَبَتَ الحد بالبَيِّنَةِ، فلا يحمله على الإنْكَارِ. وأما في حُقُوقِ العِبَادِ فلا يعرض الرجوع عن الإقرار، حتى لا يعرض في السرقة بما يسقط الغرم، إنما يسعى (1) في رفع القطع، وهذا كما أن (2) في حدود الله تعالى يستحب الستر، وفي حقوق العباد يجب الإظهار، وهل (3) للحاكم أن يعرض الشهود بالتوقف في حدود الله تعالى، ففيه وجهان:
أحدهما: لا؛ لأن فيه قدحاً في الشهود.
والثاني: نعم؛ لأن عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عرض لزياد بالتوقف في الشهادة على المغيرة بن شعبة، فقال: أرى وجه رجل وسيم، لا يفضح رجلاً من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (4). وتكلموا في أنه كيف جاز لعمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- ذلك التعريض لدفع الحد عن المغيرة؟ وفيه إثبات الحد على الثلاثةِ الذين شهدوا صريحاً على المغيرة. وأجابوا عنه بوجوه:
منها -الحد الذي تعرض له المغيرة الرجم، وحدهم حد القذف، وأنه أهون من الرجم. ومنها -أنهم كانوا مندوبين إلى الستر ألا ترى أن ماعزاً لما ذكر لهزال أنه زنا، وقال له: بادر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل أن ينزل الله فيك قرآناً، فذكر ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم-. فقال (5):