كَالْمُتَكَرِّرِ فَحُذِفَ وَفُسِّرَ بِقَوْلِهِ: {لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بأفواههم} وَكَانَ فِي الْحَذْفِ تَنْبِيهٌ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى الْغَرِيبِ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يُتَمَهَّلَ فِي تَقْدِيرِ مَفْعُولِ الْمَشِيئَةِ فَإِنَّهُ يَخْتَلِفُ الْمَعْنَى بِحَسَبِ التَّقْدِيرِ أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كل نفس هداها} فَإِنَّ التَّقْدِيرَ كَمَا قَالَهُ عَبْدُ الْقَاهِرِ الْجُرْجَانِيُّ: وَلَوْ شِئْنَا أَنْ نُؤْتِيَ كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا لَآتَيْنَاهَا لَا يَصِحُّ إِلَّا عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ إِنْ لَمْ يُقَدِّرْ هَذَا الْمَفْعُولَ أَدَّى وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ إِلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ وَهُوَ نَفْيُ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ مَشِيئَةٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ لَوْ أَنْ يَكُونَ الْإِثْبَاتُ بَعْدَهَا نَفْيًا أَلَا تَرَى أَنَّكَ إِذَا قُلْتَ لَوْ جِئْتَنِي أَعْطَيْتُكَ كَانَ الْمَعْنَى عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَجِيءٌ وَلَا إِعْطَاءٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَوْ شئنا لرفعناه بها} فَقَدَّرَهُ النَّحْوِيُّونَ: فَلَمْ نَشَأْ فَلَمْ نَرْفَعْهُ.
وَقَالَ ابْنُ الْخَبَّازِ: الصَّوَابُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: فَلَمْ نَرْفَعْهُ فَلَمْ نَشَأْ لِأَنَّ نَفْيَ اللَّازِمِ يُوجِبُ نَفْيَ الْمَلْزُومِ فَوُجُودُ الْمَلْزُومِ يُوجِبُ وُجُودَ اللَّازِمِ فَيَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الْمَشِيئَةِ وُجُودُ الرَّفْعِ وَمَنْ نَفَى الرَّفْعَ نَفَى الْمَشِيئَةَ وَأَمَّا نَفْيُ الْمَلْزُومِ فَلَا يُوجِبُ نَفْيَ اللَّازِمِ وَلَا وُجُودُ اللَّازِمِ وُجُودَ الْمَلْزُومِ. انْتَهَى.
وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا الله لفسدتا} فَإِنَّ الْمَقْصُودَ انْتِفَاءُ وُجُودِ الْآلِهَةِ لِانْتِفَاءِ لَازِمِهَا وَهُوَ الْفَسَادُ.
وَيُمْكِنُ تَوْجِيهُ كَلَامِ النَّحْوِيِّينَ بِأَنَّهُمْ جَعَلُوا الْأَوَّلَ شَرْطًا لِلثَّانِي لِأَنَّهُمْ عَدُّوا لَوْ مِنْ حُرُوفِ الشَّرْطِ وَانْتِفَاءُ الشَّرْطِ يُوجِبُ انْتِفَاءَ الْمَشْرُوطِ وَقَدْ يَكُونُ الشَّرْطُ مُسَاوِيًا لِلْمَشْرُوطِ بِحَيْثُ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودُ الْمَشْرُوطِ وَمِنْ عَدَمِهِ عَدَمُهُ. وَالْمَقْصُودُ فِي الْآيَةِ تَعْلِيلُ عَدَمِ الرَّفْعِ بِعَدَمِ الْمَشِيئَةِ لَا الْعَكْسُ.