ومنه قوله تعالى: {أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود} فَقَدَّمَ الطَّائِفِينَ لِقُرْبِهِمْ مِنَ الْبَيْتِ ثُمَّ ثَنَّى بِالْقَائِمِينَ وَهُمُ الْعَاكِفُونَ لِأَنَّهُمْ يَخُصُّونَ مَوْضِعًا بِالْعُكُوفِ وَالطَّوَافُ بِخِلَافِهِ فَكَانَ أَعَمَّ مِنْهُ وَالْأَعَمُّ قَبْلَ الأخص ثُمَّ ثَلَّثَ بِالرُّكُوعِ لِأَنَّ الرُّكُوعَ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ فِي الْبَيْتِ وَلَا عِنْدَهُ.
ثُمَّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ثَلَاثَةُ أَسْئِلَةٍ:.
الْأَوَّلُ: كَيْفَ جَمَعَ الطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ جَمْعَ سَلَامَةٍ وَالرُّكَّعَ جَمْعَ تَكْسِيرٍ؟ وَالْجَوَابُ: أَنَّ جَمْعَ السَّلَامَةِ أَقْرَبُ إِلَى لفظ الفعل فطائفون بِمَنْزِلَةِ يَطُوفُونَ فَفِي لَفْظِهِ إِشْعَارٌ بِصِلَةِ التَّطْهِيرِ وَهُوَ حُدُوثُ الطَّوَافِ وَتَجَدُّدُهُ وَلَوْ قَالَ: بِالطُّوَّافِ لَمْ يُفِدْ ذَلِكَ لِأَنَّ لَفْظَ الْمَصْدَرِ يُخْفِي ذَلِكَ وَكَذَا الْقَوْلُ فِي الْقَائِمَيْنِ وَأَمَّا الرَّاكِعُونَ فَلِمَا سَبَقَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ كَوْنَهُ فِي الْبَيْتِ وَلَا عِنْدَهُ فَلِهَذَا لَمْ يُجْمَعْ جَمْعَ سَلَامَةٍ إِذْ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إِلَى بَيَانِ الْفِعْلِ الْبَاعِثِ عَلَى التَّطْهِيرِ كَمَا احْتِيجَ فِيمَا قَبْلَهُ.
الثَّانِي: كَيْفَ وَصَفَ الرُّكَّعِ بِالسُّجُودِ وَلَمْ يَعْطِفْ بِالْوَاوِ؟.
وَالْجَوَابُ: لِأَنَّ الرُّكَّعَ هُمُ السُّجُودُ وَالشَّيْءُ لَا يُعْطَفُ عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّ السُّجُودَ يَكُونُ عِبَارَةً عَنِ الْمَصْدَرِ وَهُوَ هُنَا عِبَارَةٌ عَنِ الْجَمْعِ فَلَوْ عُطِفَ بِالْوَاوِ لَأَوْهَمَ إِرَادَةَ الْمَصْدَرِ دُونَ اسْمِ الْفَاعِلِ لِأَنَّ الرَّاكِعَ إِنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَيْسَ بِرَاكِعٍ شَرْعًا وَلَوْ عُطِفَ بِالْوَاوِ لَأَوْهَمَ أَنَّهُ مُسْتَقِلٌّ كَالَّذِي قَبْلَهُ.
الثَّالِثُ: هَلَّا قِيلَ السُّجَّدُ كَمَا قِيلَ الرُّكَّعُ وَكَمَا جَاءَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا} وَالرُّكُوعُ قَبْلَ السُّجُودِ! وَالْجَوَابُ: أَنَّ السُّجُودَ يُطْلَقُ عَلَى وَضْعِ الْجَبْهَةِ بِالْأَرْضِ وَعَلَى الْخُشُوعِ فَلَوْ قال: المسجد لَمْ يَتَنَاوَلْ إِلَّا الْمَعْنَى الظَّاهِرَ وَمِنْهُ: {تَرَاهُمْ.