رحمه الله وموافقيه (1).
ولا يجوز أن يكون منصوبًا بـ {آتُونِي} كما زعم أهل الكوفة (2)، لأنه إذا كان منصوبًا بآتوني كان مقدمًا في النية، نحو: آتوني زبر الحديد آتوني أفرغ عليه (3) قطرًا، وكان يجب إضماره في الفعل الثاني نحو أن تقول: أفرغه عليه, كما تقول: ضربني وضربته عبد الله، لأن التقدير: ضربني عبد الله وضربته، إذ من المحال أن تُعمل الأول ولا تنوي به التقديم، وتضمره في الفعل الثاني كما ذكرت آنفًا ممثلًا.
فإن قلت: إذا نصبت {قِطْرًا} بـ {أُفْرِغْ} كنت مضمرًا (قِطْرًا) آخر لـ {آتُونِي} لاقتضائه ذلك لا محيد عنه، وإذا نصبت قطرًا بـ {آتُونِي} كنت مضمرًا ضميرًا راجعًا إلى {قِطْرًا} وهو منصوب بـ {أُفْرِغْ} لا بد لك من أحدهما لاقتضاء كل واحد من الفعلين مفعولًا، فلِمَ اختير إضمار المفعول للفعل الأول دون الثاني، وهلا عكس؟ قلت: لأنك إذا نصبت {قِطْرًا} الظاهر بـ {آتُونِي} دون {أَفْرِغْ}، كنت فاصلًا بين العامل ومعموله بقوله: {أُفْرِغْ عَلَيْهِ}، وإذا نصبته بـ {أَفْرِغْ} لم تكن فاصلًا بينهما بشيء، وحَذْفُ ما لم يؤد إلى فصل في الكلام أولى من حذف ما يؤدي إلى فصل خصوصًا في الكتاب العزيز فاعرفه.
والقطر: النحاس المذاب، سمي بذلك لقطرانه. وقيل: الحديد المذاب، عن أبي عبيدة (4). وقيل: الرصاص، عن ابن الأنباري (5).