قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} فإن الكلام إنما هو فيما لم يتغير بالنجاسة: لا طعمه ولا لونه ولا ريحه.
فإن قيل: فإن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قد نهى عن البول في الماء الدائم، وعن الاغتسال فيه (1).
قيل: نَهيُهُ عن البول في الماء الدائم لا يَدل على أنه يَنجُس بمجرد البول؛ إذ ليس في اللفظ ما يَدل على ذلك بل قد يكون نَهْيُهُ سدًّا للذريعة (2)؛ لأن البول ذريعة إلى تنجيسه، فإنه إذا بال هذا ثم بال هذا تغير الماء بالبول فكان نهيه سدًّا للذريعة، أو يُقال: إنه مكروه بمجرد الطبع، لا لأجل أنه ينجسه (3) (4).
وأيضًا: فيَدل (5) نهيُهُ عن البَوْل في الماء الدائم أنه يَعُمُّ القليل والكثير، فيُقال لصاحب القُلَّتَيْن: أتُجَوِّز (6) بوله فيما فوق القلتين؟ إن جوزته فقد خالفت ظاهر النص، وإن حرمتُهُ فقد نقضت دليلك.
وكذلك يُقال لمن فرَّق بين ما يمكن نزحُهُ وما لا يُمكن: أتُسَوِّغ للحجاج أن يبولوا في المصانع (7) المبنيَّة بطريق مكة إن جوزته خالفت