من الصَّحَابَةِ. وإذَا فَرَغَ من القُنُوتِ فَهلْ يَمْسَحُ وَجْهَهُ بِيَدَيْه (٣١)؟ فيه رِوَايَتَانِ: إحْدَاهما، لا يَفْعَلُ؛ لأنَّه رُوِىَ عن أحمدَ أنَّه قال: لم أَسْمَعْ فيه بِشَىْءٍ. ولأنَّه دُعَاءٌ في الصَّلَاةِ، فلم يُسْتَحَبَّ مَسْحُ وَجْهِه فيه، كسَائِرِ دُعَائِها. الثانية، يُسْتَحَبُّ؛ للخَبَرِ الذي رَوَيْنَاهُ. ورَوَى السَّائِبُ بن يَزِيدَ، أنَّ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا دَعَا رَفَعَ يَدَيْهِ، ومَسَحَ وَجْهَهُ بِيَدَيْهِ (٣٢). ولأنه دُعَاءٌ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فيه، فيَمْسَحُ بهما وَجْهَهُ، كما لو كان خَارِجًا (٣٣) مِن الصَّلَاةِ، وفارَقَ سائِرَ الدُّعاءِ، فإنَّه لا يَرْفعُ يَدَيْهِ فيه.

فصل: ولا يُسَنُّ القُنُوتُ في الصُّبْحِ، ولا غيرِها من الصَّلَوَاتِ، سِوَى الوِتْرِ. وبهذا قال الثَّوْرِىُّ، وأبو حنيفةَ. ورُوِىَ عن ابنِ عَبَّاسٍ، وابنِ عمرَ، وابنِ مَسعودٍ، وأبى الدَّرْدَاء. وقال مالِكٌ، وابنُ أبِي لَيْلَى، والحسنُ بنُ صَالِحٍ، والشَّافِعِىُّ: يُسَنُّ القُنُوتُ في صَلَاةِ الصُّبْحِ، في جَمِيعِ الزَّمَانِ؛ لأنَّ أُنَسًا قال: ما زَالَ رسولُ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقْنُتُ في الفَجْرِ حتى فَارَقَ الدُّنْيَا. رَوَاه الإِمامُ أحمدُ، في "المُسْنَدِ" (٣٤)، وكان عُمَرُ يَقْنُتُ في الصُّبْحِ بِمَحْضَرٍ من الصَّحَابَةِ وغَيْرِهم. ولَنا، ما رُوِىَ، أنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَنَتَ شَهْرًا، يَدْعُو على حَىٍّ من أحْيَاءِ العَرَبِ، ثم تَرَكَهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ (٣٥). ورَوَى أبو

(٣١) في أ، م: "يده".
(٣٢) أخرجه الإمام أحمد، في: المسند ٤/ ٢٢١.
(٣٣) في أ، م: "عن".
(٣٤) المسند ٣/ ١٦٢. وأخرجه أيضًا الدارقطني, في: باب صفة القنوت وبيان موضعه، من كتاب الصلاة. سنن الدارقطني ٢/ ٣٩.
(٣٥) في: باب استحباب القنوت في جميع الصلاة، من كتاب المساجد. صحيح مسلم ١/ ٤٦٩. كما أخرجه البخاري، في: باب غزوة الرجيع ورعل وذكوان، من كتاب المغازى. صحيح البخاري ٥/ ١٣٤. وأبو داود، في: باب القنوت في الوتر، من كتاب الوتر. سنن أبي داود ١/ ٣٣٣. والنسائي، في: باب اللعن في القنوت، وباب ترك القنوت، من كتاب التطبيق. المجتبى ٢/ ١٥٩، ١٦٠. وابن ماجه، في: باب ما جاء في القنوت في صلاة الفجر، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه ١/ ٣٩٤. والإمام أحمد، في: المسند ٣/ ١٠٩، ١١٥، ١٦٢، ٢١٧، ٢٥٥، ٢٦١، ٢٨٢.