يَذكُرْ خُمُسًا. ولمَّا قرأ عمرُ هذه الآية قال: هذه اسْتَوْعَبَتِ المسلمينَ (٤). ووَجْهُ الأوَّلِ قولُ اللَّه تعالى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ}. فظاهرُ هذا أَنَّ جَمِيعَه لهؤلاءِ، وهم أهلُ الخُمُسِ، وجاءت الأخبارُ عن عمرَ دَالَّةً على اشْتِراكِ جميعِ المسلمينَ فيه، فوَجَبَ الجَمْعُ بينهما، كيلا تَتَناقَضَ الآيةُ والأخبارُ وتَتعارَضَ، وفى إيجابِ الخُمُسِ فيه جمعٌ بينهما وَتَوْفِيقٌ، فإنَّ خُمُسَه للذى سُمِّىَ فى الآية، وسائِرَه يَنْصَرِفُ إلى مَنْ فى الخَبَرِ، كالغنيمةِ. ولأنَّه مالٌ مُشْتَركٌ مَظْهُورٌ عليه، فوَجَبَ أن يُخَمَّسَ، كالغنيمةِ والرِّكَازِ. ورَوَى البَرَاءُ بنُ عَازِب، قال: لَقِيتُ خالِى ومعه الرَّايةُ، فقُلْتُ: إلى أين؟ فقال: بَعَثَنِى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى رَجُلٍ عَرَّسَ بامْرأةِ أبِيه، أن أضْرِبَ عُنُقَه، وأُخَمِّسَ مالَه (٥).

الفصل الثانى: أَنَّ الغنيمةَ مَخْموسةٌ، ولا اخْتِلافَ (٦) فى هذا بين أهلِ العلمِ بحَمْدِ اللَّه. وقد نَطقَ به الكتابُ العزيزُ، فقال اللَّه تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} (٧). لكن اخْتُلِفَ فى أشياءَ؛ منها سَلَبُ القاتِلِ، وأكثرُ أهلِ العِلْمِ على أنَّه لا يُخَمَّسُ، فإنَّ عمرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، قال: كُنَّا لا نُخَمِّسُ السَّلَبَ (٨). وقولُ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ" (٩). يقْتَضِى أنَّه له كلَّه، ولو خُمِّسَ لم يكُنْ جميعُه

(٤) تقدم تخريجه فى صفحة ٢٨٢.
(٥) أخرجه أبو داود، فى: باب فى الرجل يزنى بحريمه، من كتاب الحدود. سنن أبى داود ٢/ ٤٦٧. والترمذى، فى: باب فى من تزوج امرأة أبيه، من أبواب الأحكام. عارضة الأحوذى ٦/ ١١٧. وابن ماجه، فى: باب من تزوج امرأة أبيه من بعده، من كتاب الحدود. سنن ابن ماجه ٢/ ٨٦٩.
(٦) فى ب: "خلاف".
(٧) سورة الأنفال ٤١.
(٨) أخرجه عبد الرزاق، فى: باب السلب والمبارزة، من كتاب الجهاد. المصنف ٥/ ٢٣٣.
(٩) أخرجه البخارى، فى: باب من لم يخمس الأسلاب. . .، من كتاب الخمس، وفى: باب قول اللَّه تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ. . .}. من كتاب المغازى. صحيح البخارى ٤/ ١١٢، ٥/ ١٩٦. =