وقال أبو حنيفة: يجوز للمكاتب أن يكاتب، ولا يجوز أن يعتق مجاناً، ولا على مال؛ فنحن نقيس على العتق على المال.
فإن قلنا: لا تصح كتابة المكاتب، فإذا أدى مكاتبه المال: لا يعتق؛ بخلاف الحر إذا كاتب عبده كتابة فاسدة، فأدى المال: عتق؛ لأن الحر يملك إعتاقه على صفة، والمكاتب لا يملكه، وإن قلنا: تصح كتابة المكاتب: فالمكاتب الثاني يؤدي النجوم إلى الأول، ثم هو يصرفه إلى السيد، فإذا أدى: عتق، وإن لم يعتق الأول.
فإذا عتق الأول ثم الثاني: فولاء الثاني للأول، فإذا مات المكاتب الأول قبل أن يعتق: لا تصح كتابة الثاني؛ لأن الأول كان كالنائب عن السيد في كتابته: فبعد موته: يؤدي إلى المولى ويعتق، ثم ولاء هذا المكاتب الذي كاتبه المكاتب، أو أعتقه لمن يكون؟
فيه قولان:
أحدهما: للسيد؛ لأن المكاتب ليس من أهل ثبوت الولاء له.
والثاني: يوقف؛ فإن عتق المكاتب: فله ولاؤه، وإن عجز أو مات: فللسيد ولعصباته.
فإن قلنا: ولاؤه موقوف: فلو مات المعتق قبل عجز المكاتب وعتقه: فميراثه لمن يكون؟ فيه قولان:
أحدهما: للسيد وعصباته.
والثاني: يوقف على تبين حال المكاتب، فإن عجز أو مات: فللسيد؛ فإن عتق فله.
ولو أوصى المكاتب لإنسان بشيء: قال الشيخ القفال: لا يصح، سواء أوصى بعين أو بثلث ماله؛ لأن ما في يده ملكه عليه غير تام؛ فلا تصح فيه الوصية، فإذا لم تصح فيه الوصية لا يصح فيما يستفيده من بعد.
وعند أبي حنيفة: إذا أضاف إلى الموت والحرية: صح؛ وإلا فلا.
ولو أقر المكاتب ببيع شيء: يقبل منه؛ لأنه يملك الإنشاء، ولو اشترى المكاتب قريبه الذي يعتق على الحر من ولد أو والد بغير إذن السيد: لا يصح، وإن اشترى بإذنه: فعلى قولي تبرعاته.