Progress Donasi Kebutuhan Server — Your Donation Urgently Needed — هذا الموقع بحاجة ماسة إلى تبرعاتكم
Rp 1.500.000 dari target Rp 10.000.000
وقال الإمام القشيريُّ رحمه اللَّه: هذه وصيةٌ للنَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في بابِ الفقراء والمستَضعفين، وذلك لمَّا قصُر لهم لسانُ المعارضةِ واستدفاعِ ما عرضَ لهم مِن إخلاءِ الرَّسولِ مجلسَه عنهم، سكتوا متصدِّعينَ (١) بقلوبهم بين يدي اللَّه عزَّ وجلَّ، داعين له بحسنِ الابتهال، فتولَّى الحقُّ سبحانَه خصومتَهم، فقال: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}، لا تَنظر يا محمَّد إلى خرقتهم على ظواهرِهم، وانظر إلى حُرْقَتِهم في سرائرِهم، كانوا مستورين، فشهرَهُم اللَّهُ في بحبوحةِ الهِداية، بإرسالِ جبريلَ إلى محمَّدٍ بهذه الآية، ولولا أنَّه سبحانه وتعالى قال: {يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} فشهدَ لهم بالإرادة، وإلَّا فمَن كان يَتجاسرُ أنْ يقولَ: إنَّ مخلوقًا يُريدُ الحقَّ سبحانه وتعالى.
وقد تكلَّموا في الإرادة فأكثروا، وتحقيقُها: اهتياجٌ يَحصلُ في القلب، يَسلبُ القرارَ مِن العبدِ حتَّى يَصِلَ إلى اللَّه، فصاحبُ الإرادةِ لا يَهدأُ ليلًا ولا نهارًا، ولا يَجدُ مِن دون وصولِه إليه سكونًا ولا قرارًا، والمريدُ حمول، كما قال قائلُهم:
ثمَّ قطعتُ اللَّيلَ في مهْمَهٍ... لا أسدًا أخشى ولا ذيبَا
يَغلِبُني شَوقي فأَطْوي السُّرى... ولم يَزلْ ذو الشَّوقِ مغلوبا
وقيَّد دعوتَهم بالغداةِ والعشيِّ دون الإرادة؛ لأنَّها مِن الأعمالِ الظَّاهرةِ، وهي مؤقتَّةٌ، وأدامَ إرادَتهم، فاستغرقَت جميعَ أوقاتِهم؛ لأنَّها مِن الأحوال الباطنة، وهي مؤبَّدةٌ، أصبحوا لا سؤلَ لهم في دنياهم، ولا مطلوبَ لهم في عُقباهُم، ولا همَّ لهم سوى حديثِ مولاهم (٢).
(١) في "لطائف الإشارات": "متضرعين".
(٢) انظر: "لطائف الإشارات" للقشيري (١/ ٤٧٥ - ٤٧٦).