Progress Donasi Kebutuhan Server — Your Donation Urgently Needed — هذا الموقع بحاجة ماسة إلى تبرعاتكم
Rp 1.500.000 dari target Rp 10.000.000
ثمَّ أوَّل ما أخذَ في التَّأمُّل والنَّظر، لم يقع بصرُه على أحسن وأبهى مِن الزُّهرة، فظنَّ ذلكَ، ثمَّ لمَّا قُهِرَ، علمَ أنَّه ليس هو، وكذلك القمرُ والشَّمسُ؛ إذ رأى في الكل آثارَ التَّسخير، فرجعَ إلى ما سمعَ أنَّه خلقَ السَّماوات والأرض، فوجَّه نفسَهُ إليه بالعبوديَّة، واعترف له بالربوبيَّة، فقال: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا}، وكان ذلك أوَّلَ أحوال الاستدلال.
قال: وقال الحسنُ: كان بالغًا قد جَرى عليه القلمُ، وقد كان رأى ما ذكرَ غيرَ مرَّة، لكنَّ اللَّهَ تعالى لمَّا أرادَ أنْ يَهديَهُ، ألهمَهُ ذلك، فألقى في نفسه، فانتبهَ انتباهَ الإنسانِ لشيءٍ كان عنه غافلًا، فرأى كوكبًا أحمرَ يَطلُع عند غروبِ الشَّمس، فراعاهُ إلى أنْ أفلَ، فعلمَ أنَّ ربَّه لا يزولُ ولا يَتغيَّر، ففزعَ إليه، وقال: {لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ}، وكذلك في القمر والشمس، إلى أنْ تَبرَّأَ ممَّا كانوا يُشرِكون، ووجَّهَ التَّوحيدَ والعبادةَ إليه (١).
وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: ونحن نَتبرَّأُ إلى اللَّه تعالى أنْ نَجعلَهُ رجلًا بالغًا جرى عليه القلم، وهو عن اللَّهِ تعالى كان بهذه الغفلة، حتَّى يَتوهَّم ذلك في نجمٍ أو قمرٍ أو شمسٍ، مع ما يرى فيها (٢) الظهورَ بعد أن لم يكن، والأفولَ بعد الطلوع، ثمَّ آثارَ التَّسخيرِ والعجز عن التَّدبير، ثمَّ نقولُ ذلك مع ما قال اللَّه تعالى في حقِّه: {إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} الصافات: ٨٤، وقال: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ} الأنعام: ٨٣، وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}، فنقول: إنَّ إبراهيمَ كان مؤمنًا في ذلك الوقتِ، عارفًا بربِّه حقَّ المعرفةِ، ولكن كلَّمَ قومَه كلامَ مستدرِجٍ؛ بإظهارِ المتابعة لهم؛ ليكونوا به أوثقَ، وإليه أميل، وذلك أبلغُ في الحِجاجِ، وألطفُ في المكيدة، فبدأَ بتعظيمِ ما عظَّموه؛ إذ هم قومٌ كانوا يُعظِّمون
(١) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٤/ ١٣٤ - ١٣٥).
(٢) بعدها في (ر): "من".