{وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} الروم/: 16. إذا عُرِفَ هذا، فقوله: {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ} اختُلف في "ما"؛ هل هي بمعنى: أيُّ شيءٍ يكذِّبُك، أو بمعنى: مَن الذي يكذِّبُك؟ فمن جعلها بمعنى: أيُّ شيءٍ، تعيَّنَ على قوله أن يكون الخطاب للإنسان، أي: فأيُّ شيءٍ يجعلك بعد هذا البيان مكذِّبًا بالدِّين، وقد وَضَحَتْ لك دلائل الصدق والتصديق؟! ومن جعلها بمعنى: فمن الذي يكذِّبك؛ جعل الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم -. قال الفرَّاء: "كأنَّه يقول: من يقدر على تكذيبك بالثواب والعقاب، بعدما تبيَّن له من خَلْق الإنسان ما وصفناه؟ " (1). وقال قتادة: "فمَنْ يكذِّبُك أيُّها الرسول بعد هذا بالدِّين؟ " (2). وعلى قول قتادة والفرَّاء إشكالٌ من وجهين: أحدهما: إقامة "ما" مقام "مَنْ"، وأمره سهلٌ. والثاني: أنَّ الجارَّ والمجرور يستدعي متعلَّقًا، وهو: يكذبك، أي: فمَنْ يكذِّبك بالدِّين؟ فلا يخلو: إمَّا أن يكون المعنى: فمَنْ يجعلك كاذبًا بالدِّين، أو: مكذِّبًا به، أو: مكذَّبًا به (3)؛ ولا يصحُّ واحدٌ منهما. أمَّا الثاني والثالث: فظاهرٌ؛ فإنَّ "كذَّبْتُه" ليس معناه (4): جعلتُهُ(1) "معانى القرآن" (3/ 277). (2) انظر: "الجامع" للقرطبي (20/ 116). (3) "أو: مكذَّبًا به" من (م) وهامش (ز) و (ح). (4) ساقط من (ز).