{كَيۡفَ تَكۡفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنتُمۡ أَمۡوَٰتٗا فَأَحۡيَٰكُمۡۖ ثُمَّ يُمِيتُكُمۡ ثُمَّ يُحۡيِيكُمۡ ثُمَّ إِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ} (28) 1وعند هذا البيان الكاشف لآثار الكفر والفسوق في الأرض كلها يتوجه إلى الناس باستنكار كفرهم بالله المحيي المميت الخالق الرازق المدبر العليم : ( كيف تكفرون بالله ، وكنتم أمواتا فأحياكم ، ثم يميتكم ، ثم يحييكم ، ثم إليه ترجعون ؟ هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ؛ ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم ) . . والكفر بالله في مواجهة هذه الدلائل والآلاء كفر قبيح بشع ، مجرد من كل حجة أو سند . . والقرآن يواجه البشر بما لا بد لهم من مواجهته ، والاعتراف به ، والتسليم بمقتضياته . يواجههم بموكب حياتهم وأطوار وجودهم . لقد كانوا أمواتا فأحياهم . كانوا في حالة موت فنقلهم منها إلى حالة حياة ولا مفر من مواجهة هذه الحقيقة التي لا تفسير لها إلا بالقدرة الخالقة . إنهم أحياء ، فيهم حياة . فمن الذي أنشأ لهم هذه الحياة ؟ من الذي أوجد هذه الظاهرة الجديدة الزائدة على ما في الأرض من جماد ميت ؟ إن طبيعة الحياة شيء آخر غير طبيعة الموت المحيط بها في الجمادات . فمن أين جاءت ؟ إنه لا جدوى من الهروب من مواجهة هذا السؤال الذي يلح على العقل والنفس ؛ ولا سبيل كذلك لتعليل مجيئها بغير قدرة خالقة ذات طبيعة أخرى غير طبيعة المخلوقات . من أين جاءت هذه الحياة التي تسلك في الأرض سلوكا آخر متميزا عن كل ما عداها من الموات ؟ . . لقد جاءت من عند الله . . هذا هو أقرب جواب . . وإلا فليقل من لا يريد التسليم : أين هو الجواب ! وهذه الحقيقة هي التي يواجه بها السياق الناس في هذا المقام : ( كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ؟ ) . . كنتم أمواتا من هذا الموات الشائع من حولكم في الأرض فأنشا فيكم الحياة ( فأحياكم ) . . فكيف يكفر بالله من تلقى منه الحياة ؟ ( ثم يميتكم ) . . ولعل هذه لا تلقى مراء ولا جدلا ، فهي الحقيقة التي تواجه الأحياء في كل لحظة ، وتفرض نفسها عليهم فرضا ، ولا تقبل المراء فيها ولا الجدال . ( ثم يحييكم ) . . وهذه كانوا يمارون فيها ويجادلون ؛ كما يماري فيها اليوم ويجادل بعض المطموسين ، المنتكسين إلى تلك الجاهلية الأولى قبل قرون كثيرة . وهي حين يتدبرون النشأة الأولى ، لا تدعو إلى العجب ، ولا تدعو إلى التكذيب . ( ثم إليه ترجعون ) . . كما بدأكم تعودون ، وكما ذرأكم في الأرض تحشرون ، وكما انطلقتم بإرادته من عالم الموت إلى عالم الحياة ، ترجعون إليه ليمضي فيكم حكمه ويقضي فيكم قضاءه . . وهكذا في آية واحدة قصيرة يفتح سجل الحياة كلها ويطوى ، وتعرض في ومضة صورة البشرية في قبضة الباريء : ينشرها من همود الموت أول مرة ، ثم يقبضها بيد الموت في الأولى ، ثم يحييها كرة أخرى ، وإليه مرجعها في الآخرة ، كما كانت منه نشأتها في الأولى . . وفي هذا الاستعراض السريع يرتسم ظل القدرة القادرة ، ويلقي في الحس إيحاءاته المؤثرة العميقة .