{وَإِذۡ قُلۡتُمۡ يَٰمُوسَىٰ لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهۡرَةٗ فَأَخَذَتۡكُمُ ٱلصَّـٰعِقَةُ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ} (55) 40ولكن إسرائيل هي إسرائيل ! هي هي كثافة حس ، ومادية فكر ، واحتجابا عن مسارب الغيب . . فإذا هم يطلبون أن يروا الله جهرة ، والذي طلب هذا هم السبعون المختارون منهم ، الذين اختارهم موسى لميقات ربه - الذي فصلت قصته في السور المكية من قبل - ويرفضون الإيمان لموسى إلا أن يروا الله عيانا . والقرآن يواجههم هنا بهذا التجديف الذي صدر من آبائهم ، لينكشف تعنتهم القديم الذي يشابه تعنتهم الجديد مع الرسول الكريم ، وطلبهم الخوارق منه ، وتحريضهم بعض المؤمنين على طلب الخوارق للتثبت من صدقه : ( وإذ قلتم : يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة . فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون . ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون . وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى . كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) . . إن الحس المادي الغليظ هو وحده طريقهم إلى المعرفة . . أم لعله التعنت والمعاجزة . . والآيات الكثيرة ، والنعم الإلهية ، والعفو والمغفرة . . كلها لا تغير من تلك الطبيعة الجاسية ، التي لا تؤمن إلا بالمحسوس ، والتي تظل مع ذلك تجادل وتماحل ولا تستجيب إلا تحت وقع العذاب والتنكيل ، مما يوحي بأن فترة الإذلال التي قضوها تحت حكم فرعون الطاغية قد أفسدت فطرتهم إفسادا عميقا . وليس أشد إفسادا للفطرة من الذل الذي ينشئه الطغيان الطويل ، والذي يحطم فضائل النفس البشرية ، ويحلل مقوماتها ، ويغرس فيها المعروف من طباع العبيد : استخذاء تحت سوط الجلاد ، وتمردا حين يرفع عنها السوط ، وتبطرا حين يتاح لها شيء من النعمة والقوة . . وهكذا كانت إسرائيل ، وهكذا هي في كل حين . . ومن ثم يجدفون هذا التجديف . ويتعنتون هذا التعنت : ( وإذ قلتم : يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ) : ومن ثم يأخذهم الله جزاء ذلك التجديف ، وهم على الجبل في الميقات المعلوم : ( فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون ) . .