والله لتعلمن أنك قد أضررت برأيك نفسك والمسلمين، ثم قال: يا معشر المسلمين علام نستهدف لهؤلاء المشركين من أراد الجنة فليحمل معى، فحمل فى جماعة أكثرهم من الأنصار، فقتل وقتلوا، وترجل أبو عبيد وترجل الناس ومشوا إليهم، فتكافحوا وصافحوهم بالسيوف وحمى البأس حتى كثرت القتلى من الطائفتين جميعا، وجعلت الفيلة لا تحمل على جماعة إلا دفعتهم، فنادى أبو عبيد: احتوشوا الفيلة فقطعوا بطنها واقلبوا عنها أهلها؛ وواثب هو الفيل الأبيض، فتعلق ببطانه فقطعه، ووقع الذين عليه، وفعل القوم مثل ذلك؛ فما تركوا فيلا إلا حطوا رحله وقتلوا أصحابه، وقال أبو عبيد: ما لهذه الدابة من مقتل؟ قالوا: بلى، مشفرها إن قطع، فضرب مشفره فقطعه وبرك عليه فاستدبره أبو محجن فضرب عرقوبيه فاستدار وسقط لجنبه، وتعاور أبا عبيد المشركون فقتلوه، وقيل: بل اتقاه الفيل بيده لم نفح مشفره بالسيف فأصابه بيده فوقع فخبطه الفيل وقام عليه.
فلما بصر الناس بأبى عبيد تحت الفيل خشعت أنفس بعضهم، وأخذ اللواء الذى كان أمره من بعده فقاتل الفيل حتى تنحى عن أبى عبيد فاجتره إلى المسلمين وأخذوا شلوه، ثم تجرثم الفيل فاتقاه الفيل بيده دأب أبى عبيد، وخبطه الفيل، وقام عليه، وتتابع أمراء أبى عبيد الذين عهد إليهم بأخذ اللواء، فيقاتل حتى يموت، وصبر الناس حتى قتلوا، وصارت الراية إلى المثنى بن حارثة، فجاش بها ساعة ثم انهزم الناس وركبهم المشركون واقتطعوا زر بن خطم أو ابن حصن بن جوين الطائى فجماعة من المسلمين، فنادى زر:
يا معشر المسلمين، أنا زر، إنه ليس بعار أن يقتل الرجل وهو مقبل على عدوه معه سيف يضرب به سبالهم وأنفهم، وإنما العار أن يقتل الرجل وهو غير مقبل على عدوه، فاثبتوا فرب قوم قد فروا ثم كروا ففتح الله عليهم، فثاب إليه ناس من أهل الحفاظ حتى صاروا نحوا من ثلاثمائة، وأحاط بهم المشركون حتى خافوا الهلاك، ونظر إليهم المثنى بن حارثة، فقال لناس من بكر بن وائل: أى إخوانكم قد أحسنوا القتال وصبروا لعدوهم، فإن أمسكتم عنهم هلكوا، وإن كررتم رجوت أن تفرجوا عنهم وأن يكشف الله لهم السبيل إلى الجسر، فحمل على المشركين فى سبعين من بكر بن وائل أصحاب خيل مقدحة، كان يعدها للطلب والغارة فى بلاد العدو فقاتلهم حتى ارتفع عنهم المشركون وانضموا إلى إخوانهم من المسلمين.
ونظر عروة بن زيد الخيل وقد أحيط به وهو فى عشرين فرسا، إلى خيل المسلمين تطارد المشركين فقال لمن معه: أرى فى المسلمين بقية، فاحملوا على من بيننا وبين