وذكر الخطيب أبو بكر بن ثابت البغدادى فى تاريخه «1» أن بغداد كانت فى أيام مملكة العجم قرية يجتمع فيها رأس كل سنة التجار، ويقوم بها للفرس سوق عظيمة، فلما توجه المسلمون إلى العراق وفتحوا أول السواد، ذكر للمثنى بن حارثة أمر سوق بغداد، ثم أورد بإسناد له عن ابن إسحاق أن أهل الحيرة قالوا للمثنى، وذكره سيف من طريق آخر أن رجلا من أهل الحيرة قال للمثنى، واللفظ فى الحديثين متقارب، وقد دخل حديث أحدهما فى حديث الآخر، قالوا: ألا ندلك على قرية يأتيها تجار مدائن كسرى وتجار السواد ويجتمع بها فى كل سنة من الناس مثل خراج العراق، وهذه أيام سوقهم التى يجتمعون فيها، فإن أنت قدرت على أن تعبر إليهم وهم لا يشعرون أصبت بها مالا يكون غناء للمسلمين وقوة على عدوهم، وبينها وبين مدائن كسرى عامة يوم، فقال لهم: فكيف لى بها؟ قالوا: إن أردتها فخذ طريق البر، حتى تنتهى إلى الأنبار، ثم تأخذ رؤس الدهاقين، فيبعثون معك الأدلاء، فتسير سواد ليلة من الأنبار حتى تأتيهم ضحى.
قال: فخرج من النخيلة ومعه أدلاء الحيرة، حتى دخل الأنبار، فنزل بصاحبها فتحصن منه، فأرسل إليه: ما يمنعك من النزول؟ فأرسل إليه: إنى أخاف، فأرسل إليه: انزل فإنك آمن على دمك وقريتك، وترجع سالما إلى حصنك، فتوثق عليه ثم نزل، فأطعمه المثنى، وخوفه واستكتمه، وقال: إنى أريد أن أعبر فابعث معى الأدلاء إلى بغداد، حتى أغير منها إلى المدائن، قال: أنا أجىء معك، قال المثنى: لا أريد أن تجىء معى، ولكن ابعث معى من يعرف الطريق، ففعل وأمر لهم بزاد وطعام وعلف، وبعث معهم دليلا، فأقبل حتى إذا بلغ المنصف قال له المثنى: كم بيننا وبين هذه القرية؟ قال: أربعة فراسخ أو خمسة، وقد بقى عليك ليل، فقال لأصحابه: من ينتدب للحرس، فانتدب له قوم، فقال لهم: اذكروا حرسكم، ثم نزل وقال للناس: أنزلوا فاقضوا واطمعوا وتوضأوا وتهيأوا وابعثوا الطلائع فلا يلقون أحدا إلا حبسوه، ثم سار بهم فصبحهم فى أسواقهم، فوضع فيهم السيف، فقتل وأخذ الأموال، وقال لأصحابه: لا تأخذوا إلا الذهب والفضة، ومن المتاع ما يقدر الرجل منكم على حمله على دابته، وهرب الناس، وتركوا أمتعتهم وأموالهم، وملأ المسلمون أيديهم من الصفراء والبيضاء والحرّ من كل شىء.
ثم كر راجعا، ثم نزل بنهر السيلحيين من الأنبار، فقال للمسلمين: احمدوا الله الذى سلمكم وغنمكم، وانزلوا فاعلفوا خيلكم من هذا القصب، وعلقوا عليها، وأصيبوا من