عتادا، وعتاد الخير الصبر، فالصبر الصبر تجتمع لك به خشية الله، واعلم أن خشية الله تجتمع لك فى أمرين: فى طاعته واجتناب معصيته، وإنما أطاعه من أطاعه بحب الآخرة وبغض الدنيا، وعصاه من عصاه بحب الدنيا وبغض الآخرة، وللقلوب حقائق ينشئها الله عز وجل إنشاء، منها السر والعلانية، فأما العلانية فأن يكون حامده وذامه فى الحق سواء، وأما السر فيعرف بظهور الحكمة من قبله على لسانه، وبمحبة الناس إليه، فلا تزهد فى التحبب فإن النبيين قد سألوا محبتهم، وإن الله تعالى إذا أحب عبدا حببه إلى خلقه، وإذا أبغض عبدا بغضه إليهم، فاعتبر منزلتك عند الله عز وجل بمنزلتك عند الناس، ممن يسرع معك فى أمرك.
وذكر المدائنى أن عمر، رضى الله عنه، كتب لسعد مع ما أوصاه به عهدا يقول له فيه:
أوصيك بتقوى الله والرغبة فيما عنده، فادع الناس إلى الله، فمن أجابك فهو أولى بماله وأهله وولده، وليس لك منه إلا زاد بلاغ إن احتجت، وعظ نفسك وأصحابك ولا تكثر عليهم فيملوا، واجعلهم رفقاء إخوانا، وألن لهم جناحك، وحطهم بنفسك كنفسك، واعلم أن المسلمين فى جوار الله، وأن المسلم أعظم الخلق عند الله حرمة، ولا يطلبنك الله بخفرته فى أحد منهم، واحذر عليهم واحفظ قاصيتهم، وعد مريضهم، وانصف مظلومهم، وخذ لضعيفهم من قويهم، واصلح بينهم، وألزمهم القرآن وخوفهم بالله، وامنعهم من ذكر الجاهلية وما كان فيها، فإنها تورث الضغينة وتذكرهم الذحول، واعلم أن الله قد توكل من هذا الأمر بما لا خلف فيه، فاحذر أن يصرف الله ذلك عنك بذنب ويستبدل بكم غيركم، واحذر من الله ما حذركم من نفسه، فإنك تجد ما قدمت يداك من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا.
ثم سرحه فيمن اجتمع إليه بالمدينة من نفير المسلمين، فخرج سعد بن أبى وقاص من المدينة قاصدا للعراق فى أربعة آلاف، ثلاثة آلاف من أهل اليمن والسراة، وألف من سائر الناس.
قالوا: وشيعهم عمر، رحمه الله، من صرار إلى الأعواص، ثم قام فى الناس خطيبا، فقال:
إن الله تعالى إنما ضرب لكم الأمثال، وصرف لكم القول ليحيى بذلك القلوب، فإن القلوب ميتة فى صدورها حتى يحييها الله تعالى، من علم شيئا فلينتفع به، وإن للعدل