أمارات وتباشير، فأما الأمارات: فالحياء والسخاء والهين واللين، وأما التباشير: فالرحمة، وقد جعل الله لكل أمر بابا، ويسر لكل باب مفتاحا، فباب العدل الاعتبار ومفتاحه الزهد، والاعتبار ذكر الموت بتذكر الأموات، والاستعداد له بتقديم الأعمال، والزهد أخذ الحق إلى كل أحد له حق، ولا يصانع فى ذلك أحدا، ويكتفى بما يكفيه من الكفاف، فإن لم يكفه الكفاف لم يغنه شىء، إنى بينكم وبين الله، وليس بينى وبين الله أحد، وإن الله عز وجل قد ألزمنى دفع الدعاء عنه، فأنهوا شكاتكم إلينا، فمن لم يستطع فإلى من يبلغناها نأخذ له الحق غير متعتع.
فسار سعد فى عام غيداق خصيب، حتى نزل فيدا فأقام بها أشهرا، وجعل عمر لا يأتيه أحد من العرب إلا وجهه إليه، ثم كتب إليه أن يرتفع بالناس إلى زرود، فأتاها وأقام بها، وأتاه من حولها من بنى تميم من حنظلة، وأتته سعد والرباب وعمرو، فكان ممن أتاه عطارد ولبيد بن عطارد والزبرقان بن بدر وحنظلة بن ربيعة الأسدى وربعى الرياحى وهلال بن علقمة التميمى والمنذر بن حسان الضبى، فقالت رؤساء حنظلة: يا بنى تميم، قد نزل بكم الناس، وهم قبائل الحجاز واليمن وأهل العالية، وقد لزمكم قراهم، فشاطروهم الرسل، ففعلوا، فمن كان له منحتان قصر إحداهما عليهم، ومن كان له أكثر، فعلى حساب ذلك، فقروهم شتوة بزرود.
وكان عمر أمد سعدا بعد خروجه، فيما ذكر سيف، عن أشياخه، بألفى يمانى وألفى نجدى مرد من غطفان وسائر الناس، فنزلوا معه زرود فى أول الشتاء، وتفرقوا فيما حولها، وأقام سعد ينتظر اجتماع الناس وأمر عمر، وانتخب من بنى تميم والرباب أربعة آلاف، منهم ألف من الرباب، وانتخب من بنى أسد ثلاثة آلاف، وأمرهم أن ينزلوا على حد أرضهم بين الحزن والبسيطة، فأقاموا هنالك بين سعد بن أبى وقاص وبين المثنى بن حارثة، والمثنى بذى قار، ويقال: بأليس، وقال بعضهم: بشراف، وجرير ومن معه من أخلاط الناس متفرقون فيما بين العذيب إلى خصى، ويقال: غضى.
وكان المثنى فى ثمانية آلاف من ربيعة، منهم ستة آلاف من بكر بن وائل، وألفان من سائر ربيعة، منهم أربعة آلاف ممن كان المثنى انتخبه بعد فصول خالد عنه إلى الشام، وأربعة آلاف كانوا معه ممن بقى يوم الجسر، وكان معه من أهل اليمن ألفان من بجيلة، وألفان من قضاعة وطيئ ممن انتخب إلى ما كان قبل ذلك، على طيئ عدى بن حاتم، وعلى قضاعة عمرو بن وبرة، وعلى بجيلة جرير بن عبد الله، فبينا الناس كذلك، سعد يرجو أن يقدم عليه المثنى، والمثنى أن يقدم عليه سعد، انتقضت بالمثنى جراحاته