أنفع من بعض الظفر، فألح يزدجرد وترك الرأى، وكان ضيقا لجوجا، وقال لرستم:
امض حتى يأتيك أمرى، فخرج حتى ضرب عسكره بساباط ووجه إليه الملك المرازبة والقواد والأساورة واستحثه فى المسير، فأعاد عليه رستم كلامه، وقال: أيها الملك، إن هزيمتى لهم دونها ما بعدها وعليكم دونها ما بعدها، ولقد اضطرنى تضييع الرأى إلى إعظام نفسى وتزكيتها، ولو أجد من ذلك بدا لم أتكلم به، فأنشدك الله فى أهلك ونفسك وملكك، دعنى أقم بعسكرى وأسرج الجالينوس، فإن تكن لنا فذاك، وإلا فأنا على رجل وأبعث غيره، حتى إذا لم نجد بدا ولا حيلة صبرنا لهم، وقد وهناهم وحسرناهم ونحن جامون، موفورون، فأبى إلا أن يسير.
ولما نزل رستم بساباط وجمع أداة الحرب وآلاتها، بعث على مقدمته الجالينوس فى أربعين ألفا، وخرج هو فى ستين ألفا، وساقته فى عشرين ألفا، وعليها الفيرزان، وعلى ميمنته الهرمزان، وعلى الميسرة مهران بن بهرام الرازى، وقال رستم: ليشجع الملك إن فتح الله علينا هؤلاء القوم فهو وجهنا إلى ملكهم فى داره حتى نشغلهم فى أهلهم وبلادهم، إلا أن يقبلوا المسالمة ويرضوا بما كانوا يرضون به.
وقال سيف عن أشياخه «1» : خرج رستم فى عشرين ومائة ألف كلهم متبوع، فكانوا بأتباعهم أكثر من مائتى ألف، ثم إن رستم رأى رؤيا فكرهها، وأحس لها الشر، وكره لها الخروج ولقاء القوم، واختلف عليه رأيه واضطرب، وسأل الملك أن يمضى الجالينوس، ويقيم حتى ينظر ما يصنعون، وقال: إن غناء الجالينوس كغنائى، وإن كان اسمى أشد عليهم من اسمه، فإن ظفر فهو الذى نريد، وإن تكن الأخرى وجهنا مثله، ودافعنا هؤلاء القوم إلى يوم ما، فإنى لا أزال مرجوا فى أهل فارس ما لم أهزم، ولا أزال مهيبا فى صدور العرب، ولا يزالون يهابون الإقدام ما لم أباشرهم، وإن باشرتهم اجترؤا آخر دهرهم، وانكسر أهل فارس آخر دهرهم.
قالوا: ولما أبى الملك إلا مسير رستم، كتب رستم إلى أخيه وإلى رؤس بلاده: من رستم بن البندوان إلى مرزبان الباب وسهم أهل فارس، الذى كان يعد لكل عظيمة، فيفض الله به الجموع، ويفتح به الحصون، ومن قبله من عظماء أهل فارس والمرازبة والأساورة، فرموا حصونكم، وأعدوا واستعدوا، فكأنكم بالعرب هذه الأمة الذليلة كانت عندكم الخسيسة المنزلة الضيقة المعيشة قد وردوا بلادكم، وقارعوكم على