أرضكم وأبنائكم، وانتزعوا ما فى أيديكم، وكان من رأيى مدافعتهم ومطاولتهم حتى تعود نجومنا فأبى الملك.
ويقال: إن رستم عند ما أمر يزدجرد بالنهوض إلى ساباط كتب إلى أخيه بنحو الكتاب الأول، وزاد فيه: أن السمكة قد كدرت الماء، وأن النعائم قد حبست، وحسنت الزهرة، واعتدل الميزان، وذهب بهرام، ولا أرى هؤلاء القوم إلا سيظهرون علينا، ويستولون على ما قبلنا، وإن أشد ما رأيت أن الملك قال: لتسيرن إليهم أو لأسيرن إليهم بنفسى، وأنا سائر إليهم.
وكان الذى جرأ يزدجرد على إرسال رستم غلام جابان منجم كسرى، وكان من أهل فرات بادقلى، فأرسل إليه وقال: ما ترى فى مسير رستم وحرب العرب اليوم؟
فخافه على الصدق فكذبه، وكان رستم يعلم نحوا من عمله، فثقل عليه مسيره لأجل ذلك، وخف على الملك لما غره منه، وقال الملك للغلام: إنى أحب أن تخبرنى بشىء أراه أطمئن به إلى قولك، فقال الغلام لزرنا الهندى: أخبره، فقال: سلنى، فسأله، فقال: أيها الملك، يقبل طائر فيقع على إيوانك، فيقع منه شىء فى فيه هاهنا، وخط دائرة، فقال الغلام: صدق، والطائر غراب، والذى فى فيه درهم، فيقع منه على هذا المكان.
وبلغ جابان أن الملك طلبه، فأقبل حتى دخل عليه، فسأله عما قال غلامه، فحسب، فقال: صدق ولم يصب، إنما الطائر عقعق، والذى فى فيه درهم، فيقع منه على هذا المكان، وكذب زرنا، يندر الدرهم من هاهنا فيستقر هاهنا، ودور دائرة أخرى، فما قاموا حتى وقع على الشرفات عقعق، فسقط منه درهم فى الخط الأول، فنزا فسقط فى الخط الآخر، ونافر الهندى جابان حيث خطأه، فأتيا ببقرة نتوج، فقال الهندى: سخلتها غراء سوداء، فقال جابان: كذبت، بل سوداء صبغاء، فنحرت البقرة فاستخرخت سخلتها، فإذا ذنبها أبيض، وهو بين عينيها، فقال جابان: من هاهنا أتى، وشجعاه على إخراج رستم، فأمضاه.
ولما فصل رستم من ساباط، لقيه جابان على القنطرة، فشكا إليه، وقال: ألا ترى ما أرى؟ فقال رستم: أما أنا فأقاد بخشاش وزمام، ولا بد من الانقياد وأمر الجالينوس بالتقدم إلى الحيرة، فمضى نحوها حتى اضطرب عسكره بالنجف، وخرج رستم بعده حيث ينزل بكوثى، وأمر الجالينوس عند ما قدمه أن يصيب له رجلا من العرب من جند سعد، فخرج هو والآزاذمرد، مرزبان الحيرة، فى سرية حتى انتهيا إلى القادسية فأصابا دون قنطرتها