فلحق فجد له فيه، وكان أهل القادسية يعجبون من شجاعة ذلك الرجل، وعلمه بالحرب، ولم تر عين قط أثبت منه ولا أربط جأشا لولا بعد غايته لم يلحق به زهرة، ووجد المسلمون رماحا ونشابا وأسفاطا من جلود وغيرها، انتفع المسلمون بها.
ولما أمسى زهرة بن الجوية بعث سرية فى جوف الليل، وأمر عليهم بكير بن عبد الله الليثى، وكانوا ثلاثين معروفين بالنجدة والبأس وفيهم الشماخ القيسى الشاعر، وأمرهم بالغارة على الحيرة، فساروا حتى جازوا السيلحين، وقطعوا جسرها يريدون الحيرة، فسمعوا جلبة، فأحجموا عن الإقدام، وأقاموا كمينا حتى يتبينوا، فما زالوا كذلك حتى جازت بهم خيول، تقدم تلك الغوغاء، فتركوها فنفذت لطريق الصين، وإذا هم لم يشعروا بهم، وإنما ينتظرون ذلك العين الذى قتله زهرة، وإذا أخت الآزاذمرد، مرزبان الحيرة، تزف إلى صاحب الصين، وكان من أشراف العجم، وتلك الخيل تبلغها مخافة ما هو دون الذى لقوا، فلما انقطعت الخيل عن الزواف، والمسلمون كمين فى النخل وحاذت بهم الأثقال، حمل بكير على شيراز بن الأزاذبة أخى الآزاذمرد، وهو بين أخته وبين الخيل، فقصم بكير صلبه، وطارت الخيل على وجوهها، وأخذوا الأثقال وابنة الآزاذبة فى ثلاثين امرأة من الدهاقين ومائة امرأة من التوابع، ومعهم ما لا يدرى قيمته، ثم عاج واستاق ذلك كله، فصبح سعدا بعذيب الهجانات بما أفاء الله، عز وجل، على المسلمين، فكبروا تكبيرة شديدة. فقال سعد: أقسم بالله لقد كبروا تكبيرة عرفت فيها العز، فقسم ذلك سعد على المسلمين، ونفل من الخمس، وأعطى المجاهدين بقيته، فوقع منهم موقعا، ووضع سعد بالعذيب خيلا تحوط الحريم، وانضم إليها حاطة كل حريم، وأمر عليهم غالب بن عبد الله الليثى، ونزل سعد القادسية، وكتب سعد إلى عمر، رحمه الله، يعلمه بقتل الآزاذبة على يدى بكير بن عبد الله، وقال فيما كتب به إليه: وأنا مقيم بالقادسية على أمرك، ومنزلنا خصيب الجناب، ونحن ننتصف فيه من عدوان نزل بنا فى الخصب ننال من ذلك أفضل الذى نريد، وهو يوم كتبت لك مباح لنا لا يدفعوننا عنه إلا بالاعتصام بمعاقلهم، ولن يزال عندك منا كتاب بما يحدث إن شاء الله.
فأقام سعد شهرا، ثم كتب بمثلها إلى عمر، رحمهما الله: نحن وعدونا على ما كتبت إليك، لم يوجهوا إلينا أحدا، ولا أسندوا حربا إلى أحد علمناه، ومتى يبلغنا ذلك نكتب به، فاستنصروا الله لنا، فإنا بمنحاة دنيا عريضة، دونها بأس شديد، وقد تقدم الله إلينا فى الدعاء إليهم، فقال تعالى: سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ الفتح: 16 .
فكتب إليه عمر: أما بعد، فإن أبا بكر، رحمه الله، كان رشيدا موفقا، محفوظا معانا