الرسل لا تقتل لقتلتكم، لا شىء لكم عندى، وقال: ائتونى بوقر من تراب، واحملوه على أشرف هؤلاء، ثم سوقوه حتى يخرج من أبيات المدائن، ارجعوا إلى صاحبكم وأعلموه أنى مرسل إليهم رستم حتى يدفنه وجنده فى خندق القادسية، ومنكل به وبكم من بعده، ثم أورده بلادكم، حتى أشغلكم فى أنفسكم بأشد مما نالكم من سابور.
ثم قال: من شد فكم؟ فسكت القوم، فقال: عاصم بن عمرو: أراد لنأخذ التراب، أنا أشرفهم، أنا سيد هؤلاء فحملنيه، قال: أكذلك؟ قالوا: نعم، فحمله على عنقه، فخرج به من الإيوان والدار حتى أتى راحلته فحمله عليها، فقال له أصحابه: حملت ترابا؟ قال:
نعم، الفأل، قد أمكنكم الله من أرضهم، فلم يزل معه حتى قدم به على سعد فأخبره الخبر. فقال سعد: أبشروا، فقد والله أعطانا الله أقاليد ملكهم، وجعل المسلمون يزدادون فى كل يوم قوة، ويزداد عدوهم فى كل يوم وهنا، واشتد على جلساء الملك ما صنع، وما صنع المسلمون من قبول التراب، وراح رستم من ساباط إلى الملك يسأله عما كان من أمره وأمرهم، وكيف رآهم، فقال الملك: ما كنت أرى أن فى العرب مثل رجال رأيتهم دخلوا علىّ، والله ما أنتم بأعقل منهم، ولا أحسن جوابا، وأخبره بكلام متكلمهم، وقال: لقد صدقنى القوم، لقد وعدوا أمرا ليدركنه أو ليموتن عليه، على أنى وجدت أفضلهم أحمقهم، لما ذكروا الجزية أعطيته ترابا يحمله على رأسه فخرج به، ولو شاء اتقى بغيره، وأنا لا أعلم.
قال: أيها الملك، أخذ التراب أعقلهم، وما أخذه إلا تطيرا، وأبصرها دون أصحابه وخرج رستم من عنده كئيبا غضبان، فبعث فى أثر الوفد، وقال لبعثه: إن أدركتموهم تلافينا أرضنا، وإن أعجزوكم سلبكم الله أرضكم، فرجع إليه من كان وجه أثرهم من الحيرة فأعلمه بفواتهم، فقال: ذهب القوم بأرضكم غير ذى شك، ما كان من شأن ابن الحجامة الملك ذهب القوم بمفاتيح أرضنا، فكان ذلك مما زاد الله به فارس غيظا، وأغار بعد ما خرج الوفد إلى يزدجرد إلى أن جاؤا صيادين قد اصطادوا سمكا، وسار سواد بن مالك التميمى إلى النجاد والفراض إلى جنبها، فاستتاق ثلاثمائة دابة من بين بغل وحمار وثور، فأوقروها سمكا، واستاقوها، فصبحوا بها العسكر، فقسم سعد السمك بين الناس، وقسم الدواب، ونفل الخمس إلا ما رد منه على المجاهدين، وأسهم على السبى، وهذا يوم الحيتان، وكان الآزاذمرد الآزاذبة قد خرج فى الطلب، فعطف عليه سواد وفوارس معه، فقاتلهم على قنظرة السيلحين، حتى عرفوا أن قد نجت الغنيمة، ثم اتبعوها حتى أبلغوها المسلمين، وكانوا إنما يقرمون إلى اللحم، وأما الحنطة والشعير والتمر،