ضبيعة بن قيس بن ثعلبة، فى سرعان الناس، معه عشرة فوارس وغلام له روى يقال له يزيد، كان أصابه يوم اليرموك، واتبعهم حنظلة فى أصحابه، فقتل عبد الله بن سبرة قبل أن تتام إليه الخيل أسوارين.
وقال مرة الهمدانى، وكان مع حنظلة: لما دنونا من معتركهم سمعنا صوتا منكرا شديدا، فقال حنظلة: صوت ابن الكندية ورب الكعبة، بعض هنات أبى قيس، فانتهينا إليهم فإذا عبد الله بن سبرة يذمر أصحابه وهو يقول لغلامه: يا يزيد ثكلتك أمك إن فاتك أحد، وقد انكسر رمحه، وهو يضربهم بعمود ما يضرب به رجلا إلا قتله، ولا دابة إلا عقرها، وإن غلامه ليذودهم عليه بالرمح، فلما غشيهم حنظلة وأصحابه انهزموا، فما تشاء أن تجد الخمسة والستة من المسلمين يخفقون أسوارا بأسيافهم إلا وجدته، فقتل منهم ثلاثون، ويقال مائة، وأفلت الآخرون أكثرهم جريح، فرجعوا إلى رستم، فطلب الحيرى ليقتله وظن أنه عين دس له فلم يقدر عليه، وتحول سعد فنزل مع جماعة الناس.
وفيما حكاه سيف عن رجاله «1» : أن سعدا، رحمه الله، بعد ما تهدم على الذين اعترضوا على خالد بن عرفطة خطب من يليه يومئذ فحمد الله وأثنى عليه. وقال: إن الله وهو الحق، وقوله الحق، لا شريك له فى الملك، وليس لقوله خلف، قال: وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ الأنبياء: 105 ، إن هذا ميراثكم وهو موعد ربكم، وقد أباحها لكم منذ ثلاث حجج، وأنتم تطعمون منها وتأكلون، وتقتلون أهلها، وتجبونهم وتسبونهم إلى هذا اليوم، بما نال منه أصحاب الأيام منكم، وقد جاءكم منهم هذا الجمع، وأنتم وجوه العرب، وأعيانهم، وخيار كل قبيلة، وعز من وراءكم، فإن تزهدوا فى الدنيا وترغبوا فى الآخرة يجمع الله لكم الدنيا والآخرة، ولا يقرب ذلك أحدا إلى أجله، وأن تفشلوا وتهنوا وتضعفوا تذهب ريحكم وتوبقوا آخرتكم.
وكتب سعد إلى أهل الرايات: إنى قد استخلفت عليكم خالد بن عرفطة، وليس يمنعنى أن أكون مكانه إلا وجعى الذى كان يعودنى، وما بى من جبون، وإنى مكب على وجهى وشخصى لكم باد، فاسمعوا له وأطيعوا، فإنه إنما يأمركم بأمرى، ويعمل برأيى. فقرئ على الناس فزادهم خيرا، فانتهوا إلى رأيه، وقبلوا منه، وتحاثوا على السمع والطاعة، وأجمعوا على عذر سعد والرضا بما صنع.