والأرض من وراءكم قفر بسابس، ليس لكم فيها معقل ولا ملجأ، فاتقوا الله واصبروا، وحضوا المسلمين وواسوهم وتنجزوا موعود الله، فإنه قال: وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ الأنبياء: 105 ، وقد وليت الحرب خالد بن عرفطة، فالزموا السمع والطاعة، ولا تهنوا ولا تفشلوا فتذهب ريحكم، فخرجوا من عند سعد وقد استعد المشركون لقتالهم، وهم وقوف يهابون العبور والإقدام، فأرسل سعد إلى الناس: لا تعبروا حتى آذن لكم، وقد أخذ الناس العدة للقتال، فوقفوا ينتظرون الإذن من سعد، وحض رؤساء القبائل عشائرهم، فلما طال وقوفهم ولم يأتهم إذن سعد، قال جرير بن عبد الله: أيها الناس، ما تنتظرون، أما تريدون أن تقاتلوهم إن لم يقاتلوكم، وعبر النهر فى بجيلة، فقال قيس بن مكشوح: يا معشر مذحج، قد تقدمكم إخوانكم فسابقوهم، فو الله لا يسبق أحد اليوم إلا أعطاه الله غدا على قدر سبقه فى الدنيا، وعبر قيس، وعبر بعده عمرو بن معدى كرب، وقال زهرة بن جوية: يا بنى تميم، ما تنتظرون وقد مضى إخوانكم، وعبروا، واتبع الناس بعضهم بعضا. فقال سعد: اللهم إنهم عبروا ولم يستأمرونى فاقض لهم بالنصر، فصف المسلمون، على ميمنتهم شرحبيل بن السمط، وعلى ميسرتهم هاشم بن عتبة، وعلى الخيل قيس بن مكشوح، وعلى الرجالة المغيرة بن شعبة، والمسلمون عشرة آلاف، ويقال ما بين السبعة الآف إلى الثمانية، عامة جثهم براذع الرحال، قد عرضوا فيها الجريد يتسترون بها، وعلى رؤسهم أنساع الرجال، يطوى الرجل نسعة رحله على رأسه، والمشركون ستون ألفا، وقيل أكثر.
وظاهر رستم بين درعين، وقدم كتيبة عليهم الدروع والمغافر والأداة الكاملة، فدفعوا إلى جعفى، وقد تقدم خبرهم، وأخرج رستم بعد ذلك كتيبة فيها الجالينوس، فتقدم وقد اعتصب بعصابة ديباج، معه ترس مذهب، فتلقاه طليحة، واختلفا ضربتين، فوقعت ضربة الجالينوس فى جحفة طليحة، ووقع سيف طليحة فى رأس الجالينوس، فهشم البيضة وندرت عن رأسه وقد جرحه، فولوا منهزمين إلى رستم، فعظموا أمر العرب ليعذرهم، وأخذ طليحة البيضة فنفلها، فكانت قيمتها أربعمائة مثقال، وأقبل قيس بن مكشوح، يومئذ، فوقف على المغيرة فقال: ما رأيت كاليوم عديدا ولا حديدا، فقال المغيرة: إن هذا زبد من زبد الشيطان، والله جاعل بعضه على بعض، وحض المغيرة الناس وقال: إن الكلام عند القتال فشل، فالزموا الصمت، ولا يزولن أحد منكم عن مركزه، فإذا حركت رايتى فاحملوا، فقال له رجل: ما تنتظر؟ قال: اجلس، فقال رجل من بنى