فيهم مثل القعقاع، فخرج إليه ذو الحاجب، فقال له القعقاع: من أنت؟ فقال: أنا بهمن جاذويه، فنادى: يا لتارات أبى عبيد وسليط وأصحاب يوم الجسر. فاجلتدا، فقتله القعقاع، وجعلت خيله ترد قطعا، وما زالت ترد إلى الليل وتنشط الناس، وكأن لم تكن بالناس مصيبة، كأنما استقبلوا قتالهم بقتل الحاجبى وبلحاق القطع، وانكسرت الأعاجم لذلك.
وكان أول القتال قبل أن يقدم القعقاع المطاردة، فلما قدم قال: أيها الناس اصنعوا كما أصنع، فنادى: من يبارز؟ فبرز له ذو الحاجب فقتله، وآخر فقتله، وخرج الناس من كل ناحية، وبدأ الضرب والطعان، ونادى القعقاع، أيضا: من يبارز؟ فخرج إليه رجلان، أحدهما البيزران والآخر البندوان، فانضم إلى القعقاع الحارث بن ظبيان، أحد بنى تيم اللات، فبارز القعقاع البيزران، فضربه فأذرى رأسه، وبارز ابن ظبيان البندوان، فضربه فأذرى رأسه، وحمل بنو عم القعقاع، يومئذ، عشرة عشرة من الرجال، على إبل قد ألبسوها، فهى مجللة مبرقعة، وأطافت بهم خيولهم، وأمروا أن تحمل تلك الإبل على خيل الفرس يشبهون بالفيلة التى أرسلت عليهم الفرس بالأمس، فجعلت تلك الإبل لا تصمد لقليل ولا لكثير إلا نفرت بهم خيلهم، وركبتهم خيول المسلمين. فاستنوا بهم، فلقى أهل فارس من الإبل يوم أغواث أعظم مما لقى المسلمون من الفيلة يوم أرماث.
ولم يقاتلوا فى هذا اليوم على فيل، كانت توابيتها قد تكسرت بالأمس، واستأنفوا علاجها حين أصبحوا فلم ترتفع حتى كان من الغد، ولم ير أهل فارس فى هذا اليوم شيئا يعجبهم، وأكثر المسلمون فيهم القتل.
وقالوا: قتل القعقاع يوم أغواث ثلاثين جملة، كلما حمل حملة قتل فيها، وآزر القعقاع، يومئذ، ثلاثة من بنى يربوع، وجعل القعقاع كلما طلعت قطعة كبر وكبر المسلمون ويحمل ويحملون، وقدم ذلك اليوم رسول لعمر، رضى الله عنه، بأربعة أفراس، وأربعة أسياف ليقسمها سعد فيمن انتهى إليه البلاء، إن كان لقى حربا، فدعا حمال بن مالك والرفيل بن عمرو بن ربيعة الوالبيين وطليحة بن خويلد الفقعسى «1» ، وكلهم من بنى أسد، وعاصم بن عمرو التميمى»
، فأعطاهم الأسياف، ودعا القعقاع بن عمرو