فجذبه المقود فقلبه عنه، فقام إليه وهو يسحب فافترسه، فجعل أصحابه المسلمون يصيحون به، فقال: صيحوا ما بدا لكم، فو الله لا أفارقه حتى أقتله ثم أسلبه، فذبحه وسلبه، ثم أتى سعدا بالسلب فنفله إياه، فباعه باثنى عشر ألفا.
قالوا «1» : ولما رأى سعد الفيلة تفرق الناس، وعادت لفعلها يوم أرماث، سأل: هل لها مقاتل؟ فقيل له: نعم، المشافر والعيون لا تنتفع بها بعدها، فأرسل إلى القعقاع وأخيه عاصم: أن اكفيانى الفيل الأبيض، وكان بإزائهما، فأخذ القعقاع وعاصم رمحين أصمين لينين ودنوا فى خيل ورجل، وقالا: اكتنفوه لتحيروه، وفعل الآخران مثل ذلك، فلما اكتنف الفيلان نظر كل واحد منهما يمنة ويسرة وهما يريدان أن يتخبطا، فحمل القعقاع وعاصم والفيل البيض متشاغل بمن حوله فوضعا رمحيهما معا فى عينيه، وقبع ونفض رأسه فطرح سائسه ودلى مشفره، فنفخه القعقاع ورمى به ووقع لجنبه، وقتلوا كل من كان عليه، وقال حمال لصاحبه وقد قصدا إلى الفيل الأجرب: إما أن تضرب المشفر وأطعن فى عينه، أو تطعن فى عينه وأضرب مشفره، فاختار صاحبه الضرب، فحمل عليه حمال وهو متشاغل بملاحظة من اكتنفه، لا يخاف سائسه إلا على بطانه فطعنه فى عينه، فأقعى، ثم استوى فنفخه الآخر، فأبان مشفره، وبصر به السائس ففقر أنفه وجبينه بفأسه.
ويروى أن الفيلين صاحا عند ذلك صياح الخنزير، ثم ولى الأجرب الذى عور فوثب فى العتيق، فاتبعته الفيلة فخرقت صف الأعاجم، فعبرت العتيق فى أثره فبيتت المدائن فى توابيتها وهلك من فيها.
وقيل: إنه بقى منها الفيل الأبيض، لم يبق فى المعركة غيره، وإن الناس رشقوا مشافر الفيلة، فعند ذلك انبعث الفيل الآخر فلم تنته عن المدائن، وكانت تفعل بالناس الأفاعيل فاستقام للناس بعدها وجه القتال، وخلصوا بأهل فارس، فاجتلدوا على جرد بالسيوف حتى أمسوا وهم فى ذلك على السواء.
فكان يوم عماس من أوله إلى آخره شديدا، العرب والعجم فيه على السواء، ولا يكون بينهم لفظة إلا تقاولها الرجال بالأصوات حتى تبلغ يزدجرد بالمدائن، إذ كان قد أمر رستم بأن يرتب الرجال على الطريق بينهما ليبلغه بالتنادى ما يطرأ فى العسكر من حينه، فيرسل إليهم أهل النجدات ممن بقى عنده فيتقوون بهم، وأصبحت عنده للذى