دجلة وجبلها، ولكم ما يليكم من دجلة إلى جبلكم؟ أما شبعتم لا أشبع الله بطونكم؟
فبدر الناس أبو مفرز الأسود بن قطبة، وقد أنطقه الله، عز وجل، بما لا يدرى ما هو ولا نحن، فأجابه بالفارسية ولا يعرف منها شيئا هو ولا نحن، فرجع الرجل ورأيناهم يقطعون إلى المدائن، فقلنا: يا أبا مفرز ما قلت له؟ قال: لا والذى بعث محمدا بالحق ما أدرى ما هو، وإلا أنى علتنى سكينة، وأرجو أن أكون أنطقت بالذى هو خير، وانتاب الناس يسألونه حتى سمع بذلك سعد، فجاءنا فقال: يا أبا مفرز ما قلت له؟ فو الله إنهم لهراب، فحدثه بمثل حديثه إيانا، فنادى فى الناس، ثم نهد بهم، فما ظهر على المدينة أحد ولا خرج إلينا إلا رجل نادى بالأمان فأمناه، فقال: ما بقى أحد فيها فما يمنعكم، فتسورها الرجال، وافتتحناها، فما وجدنا فيها شيئا ولا أحدا، إلا أسارى أسرناهم خارجا منها، فسألناهم وذلك الرجل: لأى شىء هربوا؟ فقال: بعث إليكم الملك يعرض عليكم الصلح، فأجبتموه أنه لا يكون بيننا وبينكم صلح أبدا حتى نأكل عسل أفريذون بأترج كوثى، فقال الملك: وا ويلة ألا أرى الملائكة تكلم على ألسنتهم، ترد علينا وتجيبنا عن العرب، وو الله لئن لم يكن كذلك، ما هو إلا شىء ألقى علىّ فى هذا الرجل لننتهى، فأرزوا إلى المدينة القصوى.
قالوا: ولما دخل سعد والمسلمون بهرسير أمر بها فثلمت وتحول العسكر إليها ولاح لهم وذلك فى جوف الليل القصر الأبيض، فقال ضرار بن الخطاب: الله أكبر، أبيض كسرى هذا ما وعد الله ورسوله، وتابعوا التكبير حتى أصبحوا.
وقال القعقاع بن عمرو:
ألم يأتيك والأخبار تنمى
... وتصعد فى الملمعة الفياف
توافينا ومنزلنا جميعا
... أمام الخيل بالسمر الثقاف
قسمنا أرضهم قسمين حتى
... نزلنا مثل منزلهم كفاف
دعاء ما دعونا آل كسرى
... وقد هم المرازب بانصراف
وما أن طبهم جبن ولكن
... رميناهم بداعية ذعاف
فتحنا بهرسير بقول حق
... أتانا ليس من سجع القوافى
وقد طارت قلوب القوم منا
... وملوا الضرب بالبيض الخفاف
ولما نزل سعد بهرسير، وهى المدينة الدنيا من المدائن، طلب السفن ليعبر بالناس إلى المدينة القصوى منها، فلم يقدر على شىء، ووجدهم قد ضموا السفن، فأقاموا أياما يريدونه على العبور فيمنعه الإبقاء على المسلمين، ودجلة قد طما ماؤها يتدفق جانباها،