فانطلقوا حتى واطؤوهم على ذلك، ونهد عبد الله والمسلمون لما يليهم وكبروا وكبرت تغلب وإياد والنمر، وقد أخذوا بالأبواب، فحسب القوم أن المسلمين قد أتوهم من خلفهم، فابتدروا الأبواب التى أمامهم، فأخذتهم سيوف المسلمين مستقبلتهم، وسيوف الربعيين الذين أسلموا ليلتئذ من خلفهم، فلم يفلت من أهل الخندق إلا من أسلم من تغلب وإياد والنمر.
قال سيف «1» : وكان عمر، رضى الله عنه، قد عهد إلى سعد، إن هزم أهل تكريت أن يأمر عبد الله بن المعتم بتسريح ربعى بن الأفكل العنزى إلى الحصنين، وربعى هو الذى كان عمر رسم أن يكون على مقدمة عبد الله فى هذا الوجه، فسرحه عبد الله إلى الحصنين، وقال له: اسبق الخبر، وسر ما دون القيل، وأحى الليل، وسرح معه تغلب وإياد والنمر، فقدمهم وعليهم عتبة بن الوعل، أحد بنى سعد بن جشم وذو القرط وأبو وداعة ابن أبى كرب وابن ذى السنينة قتيل الكلاب وابن الحجير الأيادى وبشر بن أبى حوط متساندين، فساروا يسبقون إلى الحصنين خبر الهزيمة ليغزوا أهلها.
فلما كانوا قريبا منها، قدموا عتبة بن الوعل فادعى الظفر والنفل والقفل، ثم الرجال المسلمون آنفا واحدا بعد آخر، كلما وصل واحد منهم ذكر مثل ما ذكر عتبة، فوقفوا بالأبواب وقد أخذوا بها، وأقبلت سرعان الخيل مع ربعى بن الأفكل، حتى اقتحمت الحصنين على أهلهما، فكانت إياها، فنادوا بالإجابة إلى الصلح، فأقام من استجاب، وهرب من لم يستجب، إلى أن أتاهم عبد الله بن المعتم، فدعا من لج وهرب، ووفى لمن أقام، فتراجع الهارب واغتبط مع المقيم، وصارت لهم جميعا الذمة والمنعة، واقتسم المسلمون بتكريت ما أفاء الله عليهم على أن لكل سهم ألف درهم للفارس ثلاثة آلاف وللراجل ألف، وبعثوا بالأخماس مع فرات بن حيان «2» ، وبالفتح مع الحارث بن حسان «3» ، وولى حرب الموصل ربعى بن الأفكل، والخراج عرفجة بن هرثمة.