معاوية هاربا حتى قدم على أبى بكر الصديق بسوطه، وقد كان جمع فرائض فأخذها منه خارجة، فردها على أربابها، وكذا فعلت سليم بعرباض بن سارية «1» ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعثه على صدقاتهم، فلما بلغتهم وفاة النبى صلى الله عليه وسلم، أبوا أن يعطوه شيئا، وأخذوا منه ما كان جمع، فانصرف من عندهم بسوطه، وأما أسلم وغفار ومزينة وجهينة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعث إليهم كعب بن مالك الأنصارى، فسلموا إليه صدقاتهم، لما بلغتهم وفاته، وتأدت إلى أبى بكر، فاستعان بها فى قتال أهل الردة، وكذلك فعل بنو كعب مع أمير صدقاتهم بشر بن سفيان الكعبى، وأشجع مع مسعود بن رحيلة الأشجعى «2» ، فقدم بذلك كله على أبى بكر.
وكان عدى بن حاتم قد حبس إبل الصدقة، يريد أن يبعث بها إلى أبى بكر إذا وجد فرجة، والزبرقان بن بدر مثل ذلك، فجعل قومهما يكلمونهما فيأبيان، وكان أحزم رأيا وأفضل فى الإسلام رغبة ممن كان فرق الصدقة فى قومه، فقالا لقومهما: لا تعجلوا، فإنه إن قام بهذا الأمر قائم ألفاكم لم تفرقوا الصدقة، وإن كان الذى تظنون، فلعمرى إن أموالكم لبأيديكم، فلا يغلبنكم عليها أحد، فسكتوهم حتى أتاهم يقين خبر القوم، فلما اجتمع الناس على أبى بكر جاءهم أنه قد قطع البعوث، وسار بعث أسامة بن زيد إلى الشام، وأبو بكر يخرج إليهم، فكان عدى بن حاتم يأمر ابنه أن يسرح مع نعم الصدقة، فإذا كان المساء روحها، وإنه جاء بها ليلة عشاء، فضربه، وقال: ألا عجلت بها؟.
ثم راح بها الليلة الثانية فوق ذلك قليلا، فجعل يضربه، وجعلوا يكلمونه فيه، فلما كان اليوم الثالث قال: يا بنى إذا سرحتها فصح فى أدبارها وأم بها المدينة، فإن لقيك لاق من قومك أو من غيرهم فقل أريد الكلأ، تعذر علينا ما حولنا، فلما أن جاء الوقت الذى كان يروح فيه، لم يأت الغلام، فجعل أبوه يتوقعه ويقول لأصحابه: العجب لحبس ابنى، فيقول بعضهم: نخرج يا أبا طريف فنتبعه، فيقول: لا والله؛ فلما أصبح تهيأ ليغدو، فقال قومه: نغدو معك، فقال: لا يغدو معى منكم أحد، إنكم إن رأيتموه حلتم بينى