قد جاءوه طائعين فما ق 43/ظ احتاج إلى قتالهم , وذلك أبلغ ممن كان يستعصي على سليمان عليه الصلاة والسلام حتى يُصَفدهم ويستعملهم.
فإن قيل: إن سليمان عليه الصلاة والسّلام سخرت له الجنّ يستعملهم في أمور الدنيا فكانوا يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات وكان يستعملهم و (1) يستعين بهم في أموره ويكلفهم ما أحبّ (2) , قلنا: نعم وذلك فضيلة عظيمة ونعمة جسيمة (3) كبيرة مما أنعم به على آل داود - عليه السلام - و (لكن) (4) سليمان - عليه السلام - طلب ذلك فإنه سأل ربَّه سبحانه وتعالى من المُلْك الذي لا يؤتاه غيره , فكان من مقتضى ذلك الأعمال الصّعبة التي لا يقدر عليها بنو آدم فسخّر الله تعالى له الجنّ يعملونها له , ومحمّد - صلى الله عليه وسلم - لما عُرض عليه الملك وأن تجرى له بطحاء مكة وجبالها ذهباً
اختار الفقر على الملك (5) لما أراد الله تعالى (له) (6) من عظم المنزلة في الآخرة , فلم يحتج إلى عمل يُكَلف فيه الجن , وإنما كان يحتاج إلى الجهاد , وكان في أصحابه - رضي الله عنهم - كفاية , ولمّا احتاج في بعض الأوقات إلى مزيد (7) مساعدة في الجهاد أنزل عليه الملائكة فقاتلت معه , فكان عون محمد صلوات الله وسلامه عليه بالملائكة أعظم من عون سليمان عليه الصلاة والسلام بالجن , وقد أشرنا إلى نحو ذلك فيما تقدم , وأما أمور محمد - صلى الله عليه وسلم - الدنيويَةُ التي احتاج فيها إلى مساعد ومعاضد فإنه لما تظاهر عليه بعض أزواجه في الغيرة أنزل الله تعالى يخوفهن من التظاهر والتواطؤ عليه فيما يسوؤه فقال تعالى: {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} التحريم: من الآية 4 فأيّ ظهير أعظم من هذا وأيّ ناصر أقوى من هذا ,