فالسبب فِي ذَلِكَ أَنَّ أبا سفيان بن حَرْب وعكرمة بن أبي جهل وأبا الأعور السّلمىّ قدموا إلى «1» المدينة، فنزلوا عَلَى عبد الله بن أُبيّ بن سَلُول ونظرائه من المنافقين، فسألوا رسول الله أشياء يكرهها، فهمّ بهم المسلمون فنزل (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ) فِي نقض العهد لأنه كانت بينهم موادَعة فأُمِرَ بأَلَّا «2» ينقض العهد (وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ) من أهل مكّة (وَالْمُنافِقِينَ) من أهل المدينة فيما سألوكَ.
وقوله: مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ 4 إنّما جرى ذكر هَذَا لرجل كَانَ يُقال لَهُ جميل بن أوس ويكنى أبا معمرٍ. وَكَانَ حافظًا للحديث كثيرهُ، فكان أهل مكة يقولون: لَهُ قلبان وعقلان من حفظه فانهزم يوم بدر، فمَرّ بأبي سفيان وهو فِي العير، فقال: ما حالُ الناس يا أبا معمر؟ قَالَ: بين مقتول وهارب. قَالَ: فما بالُ إحدى نعليك فِي رجلك والأخرى فِي يدك؟
قَالَ: لقد ظننت أنهما جَميعًا فِي رِجْليّ فعلم كذبهم فِي قولهم: لَهُ قلبانِ. ثُمَّ ضم إِلَيْهِ (وَما جَعَلَ) .
وقوله: وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ 4 أي هَذَا باطل كما أن قولكم فِي جَميل باطل. إِذَا قَالَ الرجل: امرأته عَلَيْهِ كظهر أمه فليس كذلك، وَفِيهِ من الكفارة ما جعل الله. وقوله (تُظاهِرُونَ) خفيفة قرأها يَحْيَى «3» بن وثاب. وقرأها الْحَسَن (تُظَهِّرُونَ) مشدّدةً بغير ألفٍ. وقرأها أهل المدينة (تَظَّهَّرُونَ) بنصب «4» التاء، وكلّ صَوَاب معناه متقارب العرب تقول: عقّبت «5» وعاقبت «6» ، (عَقَّدْتُمُ «7» الْأَيْمانَ) و (عاقدتم) (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ «8» )