Progress Donasi Kebutuhan Server — Your Donation Urgently Needed — هذا الموقع بحاجة ماسة إلى تبرعاتكم
Rp 1.500.000 dari target Rp 10.000.000
كَمَا أَنَّ الْأَحْكَامَ وَالتَّكْلِيفَاتِ عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ عَلَى حَسَبِ مَا كَانَتْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا مَا خُصَّ بِهِ، كَذَلِكَ الْمَزَايَا وَالْمَنَاقِبِ١، فَمَا مِنْ مَزِيَّةٍ أُعْطِيَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِوَى مَا وَقَعَ اسْتِثْنَاؤُهُ إِلَّا وَقَدْ أُعْطِيَتْ أُمَّتُهُ مِنْهَا أُنْمُوذَجًا٢، فَهِيَ عَامَّةٌ كَعُمُومِ التَّكَالِيفِ، بَلْ قَدْ زَعَمَ ابن العربي أن سنة الله
١ المزايا: جمع مزية، وهي في كل شيء التمام والكمال، ويقال: له عندي مزية، أي: فضيلة ومنزلة ليست لغيره، والمناقب: جمع منقبة، وهي المفخرة ضد المثلبة. "ماء/ ص٢٠١".
٢ ما من نبي إلا وهو سلالة قومه وخلاصة عنصرهم، كما تخرج زهرة من غصن شجرة، أو جوهرة من بطن حجر، فهو جامع لأشتات محاسنهم، طاهر من أدناسهم، فإن لكل قوم محاسن ومساوئ مختلفة كما ترى ذلك في أنواع خلق الله تعالى، وهذا هو أقرب من سنن الفطرة كما هو أولى بالحكمة، ولذلك ترى النبي سبق إليه من قومه أكرمهم وأطهرهم، ومن ههنا فضل السابقين من المؤمنين، كأن الله تعالى أطلع نورا من الأفق، فأشرق أولا على أعلى الشواهق ثم الأقرب فالأقرب، وأنزل ماء من السماء، فاخضرت من الأرض أولا أخصبها، فهكذا تتنبه الأمة في ذات نبيها، ثم في ذوات الصديقين والشهداء والصالحين منهم وأتباعهم، فإذا كمل وتم زمان النماء جمع الحب وأُلقِي العصف في النار.
ومن ههنا تبينت لك حكمة الصبر الشديد للنبي وأصحابه؛ لكيلا يبقى في الكافرين والمنافقين من فيه مثقال حبة من الإيمان، فإذا محَّص الله المؤمنين أهلك الكافرين، وفي هذا التمحيص أيضا يخرج من بين المؤمنين من دخل فيه بغير نور، وصرح بذلك القرآن في غير موضع، وتفصيل منه في باب المعجزات.
فإذا كان النبي سلالة قومه كان هو وقومه كمرآتين على جانبيك، ترى بعضهم في بعض، فإن رأيت أن النبي على غاية علو الهمة وسعة التدبير تيقنت أن قومه أحرارٌ أذكياء، وهكذا إن علمت من قومه أحسن أخلاقه، تيقنت أن نبيهم جامع لها، وهذا يعطيك مفتاحًا لفهم سيرة أمة ونبيها، فتستدل من بعضهما إلى بعض، ثم تستدل بذلك في فهم شريعة أمة؛ لأنها تنزل حسب استعداد الأمة كما قال تعالى في سورة المائدة بعد ما ذكر إنزال التوراة والإنجيل والقرآن: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} المائدة: ٤٨ حسب عموم سنته كما جاء في آخر سورة الأنعام: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم} الأنعام: ١٦٥ ، فلا يبتلي الله الأمة إلا فيما آتاهم، فلذلك جعل شرائع كل أمة حسب حالها، ومن هذه الجهة اختلافهم، وجاءت أكمل الشرائع لأكمل الأمم، أفاده الفراهي في "القائد إلى العقائد" "ص١٣٣-١٣٤".