اللهفان، وتلقاه الغزالي بقبول طيب، وتفرغ له بصفة خاصة. فسمع عليه "إحياء علوم الدين" وسأله سؤال المسترشد عن عقيدته المستكشف عن طريقته، ليقف على سر تلك الرموز التي أومأ إليها في كتبه (1)، وكان الِإمامِ الغزالي يعرف فيه النبوغ ويتوسم فيه جمع الحسنيين: قوة الحافظة وقوةَ العارضة، فسدده إلى سواء السبيل، وواساه مواساةَ الوالد الجليل (2). وهكذا وجد فقيهنا الصواب الذي لا شوب فيه، وصادف اليقين الذي لا ريب معه، والِإمام الغزالي بخاصة وأهل السنة والجماعة بعامة كان ديدنهم -في الكلام على مسائل الفقه والأصول وسائر مباحث الثقافة الِإسلامية- على طريقة من يَتَوَخَّوْنَ من الأمور لبابَهَا ويصرفون عنها قشورها. فتلقى عنهم أصول المذهب الأشعري، فتعشّقه واندفع في نصرته (3) بما آتاه الله من قوة الحجّة، وبراعة المحاورة، وسرعة البديهة، وطلاقة اللسان، وغزارة البيان، فأصبح يناقش هذا ويحاور ذاك وهو ما زال بعدُ في ريعان الصبا وفتاء الشباب (4).
ومن هذه الصلات الموجهة، والعوامل المنتجة، من توافر الكتب وتلاقي العلماء، وتلاقح الأفكار، كل هذا أصَّلَ لدى ابن العربي المنهج القويم، وزكّى فيه المعرفة الحقة، فاكتملت شخصيته العلمية، إذ أصبح مشرفاً على مذاهب الفقهاء، وأنحاء العلماء، وأغراض الأدباء، إماماً في