المشروعية فى أصله لئلا نبطل أصل النهى فهذا غاية الإمكان فى إظهار العمل بالدليلين.
فإن قلتم كيف يحتمل المشروع وصف الصلاة.
قلنا قد يحتمل بدليل المسائل التى قدمناها ولأن العبرة بالدليل لا بالاستبعاد وخرجوا على هذا الأصل مسائل مثل مسألة البيع الفاسد ومسألة صوم يومى العيد وأيام التشريق وكذلك الصلاة فى الأوقات المنهى عنها وقد ذكرنا وجه كلامهم فى ذلك فى مسائل الفروع ولا معنى لذكرها هنا.
وأما حجتنا فى المسألة قوله صلى الله عليه وسلم: "من أدخل فى ديننا ما ليس فيه فهو رد" 1 روته عائشة رضى الله عنها وغيرها والخبر فى الصحيحين والمنهى عنه ليس بداخل فى الدين فيكون مردودا باطلا وسؤالهم على هذا هو أن معنى قوله صلى الله عليه وسلم فهو رد أى غير مقبول ولا يثاب عليه.
والجواب أن الظاهر من قوله رد هو بمعنى الإبطال والإعدام كما يقال رد فلان على فلان ماله أى أعدم يده وقوته أو ثبت يد المردود عليه وأوجده وإذا كان الظاهر هذا لم يجز أن يحمل عليه إلا بدليل ولأنا أجمعنا على أن النهى يقتضى حرمة المنهى عنه وحظره ولهذا المعنى إذا ارتكبه يأثم وإذا صار محظورا لا يبقى مشروعا لأن المشروع هو المطلق فعله فى الشرع وهذا أدنى درجات المشروعية والمحظور هو الممنوع عنه فى الشرع فيستحيل أن يكون الشىء الواحد محظورا ومشروعا ببينة أن الله تعالى قد نص على التحريم فى الربا بقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} البقرة: 275 والمحرم ما يجب الامتناع عنه وإذا وجب الامتناع عنه لم يجز أن يكون مشروعا لما بينا أن أقل درجات المشروع هو الندب أو الإباحة إذا لم يكن عقد الربا مشروعا لم يثبت الملك المشروع لأن الملك المشروع لا يثبت إلا بالعقد المشروع وتحقيق ما ذكرنا فإن البياعات والأنكحة وسائر العقود ما عرفناها إلا بالشرع فإنه لولا الشرع لم يعرف شىء من هذه العقود وقد شرع الله تعالى هذه العقود على شرط مخصوص فى محل مخصوص من فاعل مخصوص فما وراء ذلك غير مشروع أصلا وهذا لأن الأصل لما كان هو عدم المشروعية فإذا شرع عقدا على وجه فما كان على.