هو الحق وأن رضى إنسان بالتقليد فلا يشك عاقل أن تقليد الشافعى أولى من تقليد المتأخرين الذين يعم بضاعتهم الجدال والله المرشد إلى الصواب والعاصم من الزلل عنه وأما حجة القائلين بقبول المراسيل وهو الصحيح على ما سنبين ونقيم البرهان عليه ونتعلق أولا بقوله تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} الاسراء: 36 وقال تعالى: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} البقرة: 169 ونحن إذا قلنا خبر من لا يعلم حاله فى الصدق والعدالة من حاله فى خلاف ذلك فقد قفونا ما ليس لنا به علم وقلنا على الدين والشرع ما لا نتحققه فإن قيل هذا ينعكس عليكم فإنكم إذا رددتم المراسيل فقد قلتم ما لا علم لكم به وتبعتم ما لا يتحقق به فقد دخلتم فيما نقمتم منا قلنا لا يلزم ما قلتم لأن الأصل أنه لا يلزمنا حكم إلا حجة والحجة لا تثبت إلا من ناحية العلم وعلمنا بصدق المرسل عنه معدوم فنحن متمسكون بهذا الأصل ما لم ينقلنا دليل يصح به الحجة الشرعية فى الخبر والحجة الشرعية إنما تثبت بالخبر عند معرفة صدق الراوى وعدالته فتبين بهذا أنا برد المرسل لم نكن قابلين متبعين لما لا علم لنا به والمعتمد من الدليل أن سكوت الراوى عن تسمية من سمع منه يوهم ضعفه وعدم عدالته فيمتنع به قبول روايته وإنما قلنا ذلك لأنه قد جرت عادة الرواة بإظهار اسم من يروون عنه ليتصل السند إلى النبى صلى الله عليه وسلم ولا ينقطع بعض الرواة عن البعض فيذهب روا الخبر وبهاؤه وطلاوته وحلاوته.
ببينة أن رواية الحديث بالإسناد أحد محاسن هذه الأمة وقيل أنه لم يعط هذا غير هذه الأمة ولهذا ما زال سلف هذه الأمة يطلبون الأسانيد وكانوا يسمون الأحاديث التى تعرت عن الأسانيد بترا وعن عتبة بن أبى حكيم قال كنت عند إسحاق بن أبى فروة وعنده الزهرى فجعل إسحاق يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الزهرى قاتلك الله يابن أبى فروة ما أجرأك على الله إلا تسند حديثك تحدثنا بأحاديث ليست لها خطم ولا أزمة وجريان عادة السلف بتسمية من يروون عنه شىء لا ينكره أحد فهذا الراوى حين سكت عن تسمية من روى عنه الخبر ولم يكن مقصوده الاقتصار على ما يعتاده الفقهاء فى الحجاج وإنما كان مقصوده محض الرواية وأداء العلم وتبليغه والائتمار لما أمر به النبى صلى الله عليه وسلم من قوله: "نضر الله أمرأ سمع مقالتى فأداها كما سمعها" 1.