إنما يفيد ما ذكرتم لأنه ذكر لفظ ما وهذا اللفظ يقع على الثواب وعلى غيره وليس كذلك الآية لأن الله تعالى لم يقل بما هو خير منها وإنما قال: {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا} البقرة: 106 فنظير قول القائل ما أخذ منك من ثوبا آتيك بخير منه وهو مفيد ثوبا خير من الثواب الأول وأما الذي نسبوه إلى أبي هاشم من السؤال فليس بشيء لأنه خلاف قول المفسرين بل خلاف قول جميع الأمة وقد قال كل من تكلم في هذه الآية من العلماء أن الآية التي تأتي ها هنا هي الناسخة والأخرى هي المنسوخة وهذا السؤال من أبي هاشم سؤال جدلي لا يجوز أن يعترض به على إجماع المفسرين ونقول أيضا على قولهم أن ما يثبت بالسنة قد يكون أنفع وأفضل في الثواب قلنا هذا محال لأن الثابت بالسنة أن كان أنفع عملا فيبقى أن الكتاب أنفع لاستحقاقه الثواب بتلاوته وهذا لا يوجد في السنة والاعتماد في المسألة على هذه الآية وقد تأيد الاستدلال بهذه الآية بقوله تعالى: {قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} يونس: 15 فأخبر أن تبديل القرآن ونسخه يكون من عند الله عز وجل لا من عند نفسه وسؤالهم على هذا بما قالوا: أنه وأن كان من عند الرسول صلى الله عليه وسلم بصورة ولكنه من عند الله حقيقة وقد أجبنا عن هذا وهذا لأنه إنما يضاف إلى الله عز وجل ما اختص به ويضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما اختص به ولو كانا مضافين إلى الله عز وجل لم يجز إضافة أحدهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
واعلم أن المسألة مشكلة جدا وقد ذهب كثير من أصحابنا إلى اختيار مذهبهم في المسألة والذي يمكن الاعتماد عليه هو ما ذكرنا ولا ينبغي أن يستدل في هذه المسألة من حيث المعنى لأن نهاية ما قالوه هو أن الكتاب أفضل من السنة فلا يجوز نسخ الشيء بما هو دونه في المرتبة كما أنه لا يجوز نسخ المتواتر بخبر الواحد والكلام على هذا يسهل فإنهم يقولون كل واحد من الكتاب والخبر المتواتر دليل مقطوع به والجواز عقلا موجود فلا سبيل إلى امتناعه ونحن نقول إنما لم يمتنع ذلك عقلا فعلى هذا سقط جميع ما ذكروه من حيث المعقول في الدليل على جوازه وبقي الدليل الشرعي الذي أقمناه في المنع منه وأما تعلقهم بالمواضع التي استدلوا بها في وجوب نسخ الكتاب بالسنة فهي دلائل ضعيفة وسنبين الكلام على واحد واحد من ذلك أما آية الإمساك في البيوت قلنا قد قالوا: أن الآية الواردة في الأذى والحبس في البيوت وآية الجلد كل ذلك في الأبكار دون المحصنين وفي ذلك نسخ الكتاب بالكتاب وأما الرجم الذي هو حد.