وأيضا فإن النبي صلى الله عليه وسلم آخر الصلوات يوم الخندق حتى مضى هوى من الليل ثم صلاها على ترتيب ما فاتت1 ثم أن الله تعالى نسخ ذلك بقوله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ} النساء: 102 الآية وأيضا قال النبي صلى الله عليه وسلم كان متعبدا في الابتداء بالتوجه إلى بيت المقدس ولم يكن ثبوت ذلك بالكتاب لأنه ليس في القرآن دليل عليه ولم يكن ذلك أيضا لاتباعه شريعة من قبله لأنه لم يقم دليل على أنه يلزمنا اتباع شريعة من قبلنا فقد كان ذلك بمحض السنة ثم نسخ بالكتاب فثبت بما بينا وجود نسخ السنة بالكتاب وإذا وجد صار شرعا جائزا.
وأما الدليل من حيث المعقول فلأنه لا مانع من جوازه لا من حيث القدرة ولا من حيث الحكمة وقد سبق بيان هذا في المسألة المتقدمة ولا يجوز أن يقال أن نسخ السنة بالكتاب يوجب التنفير عن الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه يوهم أنه لا يرضى بما سنه الرسول صلى الله عليه وسلم وقد لا يصح لأن النسخ يرفع الحكم بعد استقراره واستقراره يمنع من هذا التوهم لأنه لم يرض بما سنه لم يقر عليه أصلا وعلى أن ذلك لو نفر عنه لنفر عنه أيضا نسخ السنة بالسنة لأن الناسخة إنما صدرت عنه لأجل الوحي فجرى مجرى كلام ينزله الله تعالى ولأن الكتاب أقوى والسنة أضعف ويجوز نسخ الأضعف بالأقوى والمعتمد أنا إنما منعنا نسخ القرآن بالسنة للشرع منع من ذلك ولا يوجد مثل ذلك في هذا الجانب هو نسخ السنة الكتاب لأن نسخ السنة بالكتاب ونسخ الشيء بما هو خير منه ولا دليل في العقل يمنع منه فجاز النسخ إذا لم يكن منه مانع وأما تعلقهم بقوله تعالى وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم النحل 44 قلنا ليس في قوله لتبين للناس ما نزل إليهم دليل على أن لا يتكلم إلا بالبيان كما أنك إذا قلت: دخلت الدار لأسلم على زيد ليس فيه أنك لا تفعل فعلا آخر على أنه ليس في كون كلامه بينا للكتاب ما يمنع من نسخه للكتاب إذا قام الدليل عليه كما لا يمنع ذلك من نسخ قوله بقوله وكما لا يمنع أن ينسخ الكتاب بالكتاب وأن كان بعضه يكون بيانا لبعض وأما قولهم أنه ينبغي أن يكون نسخ الشيء بجنسه دعوى لا دليل عليه فسقط والله أعلم.