وترك اتباع غير سبيل المؤمنين قد بينا أنه لا يصح الجمع بين شيئين في الوعيد إلا وأن يكون كل واحد منهما يستحق عليه الوعيد يدل عليه أنه لا خلاف أنه يستحق الوعيد بمشاقة الرسول على الانفراد فكذلك استحق الوعيد بترك متابعة سبيل المؤمنين على الانفراد فإن قيل المراد بترك متابعة سبيل المؤمنين في مشاقة الرسول قلنا فيكون لا فائدة في قوله ويتبع غير سبيل المؤمنين لأن استحقاق الوعيد عرف بقوله: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ} النساء:115 فيجب أن يكون الوعيد بترك اتباع سبيل المؤمنين متعلقا بمعنى آخر غير ما سبق يفيد فائدة وأيضا فإن هذا السؤال يقتضي أن لا يكون مشاقة الرسول بانفراده معصية فإن قيل قد شرط الله عز وجل في لحوق الوعيد أن يكون اتباعه غير سبيل المؤمنين بعد أن تبين له الهدى والألف واللام لاستغراق الجنس فاقتضى استيعاب الهدى وكان معنى الآية من تبين جميع الهدى واتبع غير سبيل المؤمنين لحقه الوعيد فيدخل ما أجمعوا عليه في جملة الهدى فعلى هذا يجب أن يكون الهدى بدليل سوى قول الأمة تم إذا تبين يتبعون فيه كما أن الإنسان إذا قال لغيره إذا تبين لك صدق فلان فاتبعه اقتضى أن يكون تبين صدقه بشيء سوى قوله.
والجواب أنه قد قيل أن تبين الهدى شرط في لحوق الوعيد المذكور بمشاقة الرسول فقط لا في اتباع غير سبيل المؤمنين لأن الإنسان إنما يكون مشاقا معاندا إذا تبين الحق وعرفه وكان هذا الشرط مقصورا على المشاقة فقط وأيضا فإن الذي قالوه لو كان على ما زعموا لبطل فائدة تخصيص المؤمنين مع علمنا أنه خرج الكلام مخرج تمييز المؤمنين والإعظام لهم ألا ترى أن غير المؤمنين إذا عرفنا أن قولا من أقاويلهم هدى فإنه يلزمنا أن نقول مثل قولهم كما يلزمنا مثل ذلك في المؤمنين يدل عليه أن اتباع المؤمنين هو الرجوع إلى قولهم لأنهم قالوه وليس اتباعهم هو مشاركتهم في قولهم لأن دليلا دل عليه ألا ترى أنا لا نكون متبعين لليهود في إثبات الصانع جل شأنه وفي نبوة موسى عليه السلام وأن شاركناهم في اعتقاد ذلك لما لم نصر إلى ذلك لأجل قولهم فإن قيل هذا الاستدلال بدليل الخطاب لأنكم قلتم لما ذكر في الآية إلحاق الوعيد بمن اتبع غير سبيل المؤمنين دل أن اتباع سبيل المؤمنين واجب وهذا تعلق بمحض دليل الخطاب لأنه ليس في الآية الأمر باتباع سبيل المؤمنين.
قالوا: والاستدلال في مثل هذه المسألة بدليل الخطاب لا يجوز.
الجواب أن مطلق الآية تدل على ما قلناه لأن الله تعالى نص على إلحاق الوعيد.