الفتحة من الألف، والكسرة من الياء، والياء أقرب إلى الألف من الواو، فلما منعت الأسماء بعد هذه الحروف النصب، كان الجر أقرب إليها من الرفع.
هذا هو العلة في كون هذه الحروف جارة.
فإن قلت: فقد تقول: المال لك، وإنما أنا بك، وأنا منك، ونحو ذلك، ما لا تصل هذه الحروف فيه الأفعال بالأسماء.
فالجواب: أنه ليس في الكلام حرف جر غير زائد، وأعني بالزائد ما دخوله كخروجه، نحو: لست بزيد، وما في الدار من أحد، إلا هو متعلق بالفعل في اللفظ أو المعني، أما في اللفظ فقولك: انصرفت عن زيد، وذهبت إلى بكر، وأما في المعنى فقولك: المال لزيد، تقديره: المال حاصل أو كائن لزيد، وكذلك زيد في الدار، إنما تقديره: زيد مستقر في الدار، ومحمد من الكرام: أي محمد حاصل من الكرام أو كائن من الكرام، فإذا كان الأمر كذلك فقد صح ووضح ما قدمناه.
فإن قلت: فإذا كانت هذه الحروف التي أوصلت الأفعال إلى الأسماء إنما جرت الأسماء، لأنهم أرادوا أن يخالفوا بلفظ ما بعدها لفظ ما بعد الفعل القوي، فما بالهم قالوا: قمت وزيدا، واستوى الماء والخشبة، وجاء البرد والطيالسة1، وما صنع وأباك؟ ولو تركت الناقة وفصيلها2 لرضعها.
ومن أبيات الكتاب3:
فكونوا أنتم وبني أبيكم
... مكان الكليتين من الطحال4